الملكة إليزابيث الأولى يُطلق على فترة حكمها اسم العصر الذهبي أو العصر الإليزابيثي؛ وذلك بسبب الإنجازات التي تحققت فيه.
ولدت إليزابيث في جرينيتش، وهي قرية قرب لندن، في 7 سبتمبر 1533، ووالدها هو الملك هنري الثامن ووالدتها آن بولين، زوجته الثانية التي نفِّذ فيها حكم الإعدام عام 1536م بتهمة خيانة الوطن، وذلك بعد موت أبيها الملك هنري في عام 1547م، وخلفه في الحكم أخوها من أبيها إدوارد السادس الذي نشأ بروتستانتياً كأخته إليزابيث. وعندما توفي في عام 1553م، خلفته في الحكم أخته من أمه ماري تيودور.
كانت الملكة ماري تسيء الظن بإليزابيث التي كانت سُترشَّح بعدها للحكم، بينما كانت إليزابيث تتجنب بشدة التدخل في الأمور السياسية خلال فترة حكم ماري، ومع ذلك فقد وقعت إليزابيث ضحية الظن في عام 1554م بعد الثورة المعروفة باسم ثورة وايت، التي فشل فيها الثوار في الإطاحة بحكم ماري، واعتُقلت إليزابيث رغم عدم ثبوت أي أدلة تدينها بالاشتراك في الثورة، وعندما توفيت ماري عام 1558م أصبحت إليزابيث الملكة.
وتولت إليزابيث حكم إنجلترا من عام 1558م حتى 1603م، وكان لها العديد من الإنجازات، حيث ساهمت في إبعاد خطر الغزو الفرنسي لإسكتلندا من خلال توقيع معاهدة إدنبرة، كما قامت بالتخلص من ماري ستوارت ملكة اسكتلندا التي كانت تطالب بعرش إنجلترا لنفسها، فأُلقي القبض عليها بتهمة المشاركة بالتخطيط لاغتيال إليزابيث وسُجنت عشرين عامًا قبل أن تُعدم عام 1587.
واجهت إليزابيث الكثير من المشكلات في الداخل والخارج في بداية حكمها؛ فقد ورّطت ماري إنجلترا قبل عام من وفاتها في حرب مع فرنسا، بينما كانت القوات البروتستانتية المقاتلة في اسكتلندا وفرنسا وهولندا تناشد إليزابيث الدعم، ولكن اقتصاد إنجلترا كان فقيرًا وخزانة الدولة تشكو من قلة الإيرادات لتغطية التكاليف الروتينية للدولة. وكان على الملكة إليزابيث أن تقرر بهدوء ودون عنف هل ستكون ديانة الدولة كاثوليكية أو بروتستانتية، استطاعت إليزابيث بمساعدة البرلمان وكبير المستشارين، السير وليم سيسيل، إنهاء الحرب مع فرنسا، وأمدّت أهالي اسكتلندا البروتستانت بالمال والسلاح سرًا.
وكانت إليزابيث تأمل في إرضاء غالبية شعبها واعتماد مذهب الكنيسة البروتستانتية، فبعد الاستقرار الديني في عام 1559م، أصدرت القانون الأعظم الذي قرر إعادة كنيسة إنجلترا التي أسسها هنري الثامن، وحاولت ماري أن تلغيها. وهذه الكنيسة مستقلة عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ولكنها تتفق معها في بعض الأمور. وقد أقر القانون كتابًا جديدًا للصلاة وفرض استعماله.
واجهت إليزابيث نفوذ الاسبان، فدعمت ثورة البروتستانت في هولندا ضد اسبانيا، وأرسلت حملة للتصدي للإسبان في البحر الكاريبي، كما هزمت البحرية الإنجليزية القوات الإسبانية التي كانت تخطط لغزو جنوب شرق إنجلترا عام 1588.
تصدت إليزابيث لثورة الإيرلنديين المدعومين من إسبانيا والذين لم يتقبلوا حكمها لكونها ليست كاثوليكية واستمرت الحرب تسعة أعوام قبل أن يُهزم الإيرلنديون، ويتم توقيع معاهدة سلام بين إنجلترا وإسبانيا.
أقامت إليزابيث علاقات تجارية مع بلاد المغرب، حيث كانت تحصل منهم على السكر مقابل السلاح والذخيرة، كما بدأت علاقات دبلوماسية مع الإمبراطورية العثمانية لدرجة أن السلطان مراد الثالث عرض عليها حلفًا عسكريًا ضد إسبانيا.
كما ازدهر الأدب الإنجليزي في هذه المرحلة فألّف فرانسيس بيكون مقالاته الأدبية، وكتب كريستوفر مارلو التاريخ المأساوي للدكتور فاوستوس. كما كتب إدموند سِبنسر ملحمة الملكة الجنيّة وكتب وليم شكسبير أعظم قصائده ومسرحياته.
وفي السنوات الأخيرة لحكم إليزابيث كانت المشكلات الداخلية في إنجلترا، السبب في إنهاء حكمها، حيث تمرد الأيرلنديون، فساء الوضع الاقتصادي، مما جعل إيرل إسكس ينجح في الاستيلاء على ممتلكات إليزابيث، إلا أنه لم ينجح في الوصول إلى السلطة، فقاد ثورة عام 1601م وسرعان ما قبض عليه بتهمة الخيانة وأعدم.
وفي عام 1602 دخلت إليزابيث في حالة اكتئاب شديدة، بسبب وفاة العديد من أصدقائها المقربين، وكان أبرزهم قريبتها كاثرين هاوارد، وهو ما أدى لمرضها في مارس عام 1603، ووفاتها في 24 مارس 1603 في قصر ريتشموند، ودُفنت بجوار أختها ماري في كاتدرائية ويستمنستر، وقد خلف إليزابيث في الحكم الكاثوليكي جيمس السادس ابن ماري ستيوارت.
التعليقات