«الأهرام» مرآة للهوية المصرية وتعزيز الوطنية «3»

«الأهرام» مرآة للهوية المصرية وتعزيز الوطنية «3»

د. محمد يونس

عبر تاريخها الممتد، لم تكن جريدة «الأهرام» مجرد ناقل للأخبار، بل كانت حافظة للذاكرة المصرية، ومرآة عكست هوية الأمة وطموحاتها، وأسهمت في صياغة الوعي الجمعي وتعزيز الهوية الوطنية، لتبقى بحق «ديوان مصر الوطني».

حرصت الأهرام على تأكيد الهوية المصرية وتعزيز الوطنية خلال مسيرتها العريقة، عبر 3 محاور رئيسية، تحدثنا في المقال السابق عن أولها وهو مقاومة الاحتلال، ونستعرض اليوم المحورين الآخرين: الوحدة الوطنية بين المصريين، ودعم المشروع الوطني الحديث.

فقد دأبت الأهرام على تأكيد قوة الجامعة الوطنية بين المصريين «وكيف لا تكون متينة العرى والأمة وهي الممثلة للأفراد، عائلة واحدة يستقي كل منها بالكأس الذي يستقي منها الآخر، فإذا تدعى فرد تداعت له بقية الأفراد.» (الأهرام: 20 مارس 1907م).

وفي تأكيدها للوحدة الوطنية تصدت الأهرام لمحاولات إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط من جانب بعض الصحف.. ونبهت إلى أن مهمة الصحافة فى بلادنا أن «تنادي ليل نهار وصباح مساء بالإخاء والحرية والمساواة والعدالة حتى نغرس هذه التعاليم فى رءوس الجميع». وحثت على توثيق الروابط الوطنية بين المسلمين والأقباط (20 يوليو 1908م).

ودعت الأهرام إلى تجاوز الأزمة التي تعرضت لها الوحدة الوطنية عام 1910عقب مقتل بطرس غالى - رئيس الحكومة المصرية آنذاك- وبالرغم من أن دوافع قاتله (إبراهيم الورداني)، لارتكاب هذه الجريمة لم تكن مسألة اختلاف الدين، وإنما كانت دوافع سياسية «لأنه خان وطنه»، فإن هذا الحادث كان بمثابة تفجير خطير للفتنة الطائفية، وتشير غالبية الدراسات إلى ان الإنجليز وراء تصعيد هذه الأزمة لإجهاض الحركة الوطنية المصرية. وقد تبنت الأهرام الدعوة إلى الوئام، فتساءلت: «لماذا يقاد الناس إلى أصوات تستدرجهم إلى الهاوية والى متاعب تزج بهم فى المهالك الباغية». (25 فبراير 1910م) وتابعت الأهرام المؤتمر المصري الذى انعقد فى 29 أبريل 1911م بمصر الجديدة، وأبرزت التوجه الوطني الذي عبر عنه معظم المشاركين فيه. وتأكيد جلساته على تعزيز وشائج الأخوة والوحدة الوطنية بين المصريين، فالأمة المصرية «ليست خليطا وليست كوما من الرماد تذره الرياح وتبعثره، ولكنها جسم حي تجمعه روح واحدة مكونة من إرادات مجتمع ومن أفكار مشتركة.. فلتحيا الوحدة الوطنية فهي التي ستشيد هذا البناء الفخيم .. فقد عاش المصريون مسلمين وأقباطا منذ ثلاثة عشر قرنا جيرانا متألفين وإخوانا متعاضدين. (30 أبريل 1911) وفى هذه الأزمة كانت الأهرام «للوطن قبل الدين» وفقا لكبير مؤرخي الصحافة المصرية د.إبراهيم عبده. وعملت على توحيد مختلف فئات الشعب المصري، مسلمين ومسيحيين، حول قضايا وطنية مشتركة، وهو ما كان له بالغ الأثر في نجاح ثورة 1919 التي مثلت التجسيد الأسمى للوحدة الوطنية.

ولم يتوقف هذا الدور عند حقبة الاستعمار، بل استمر عبر محطات مصر الصعبة. فقد حرصت على دعم المشروع الوطني الحديث لبناء الدولة من خلال أقلام كبار الكتاب المصريين، الذين دعوا إلى بناء الوطن على كافة الأصعدة والأخذ بكافة سبل التقدم، ومنهم توفيق دياب، وحافظ إبراهيم، ود.طه حسين، وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وأحمد الصاوى محمد ود. زكي نجيب محمود ونجيب محفوظ ويوسف ادريس ود.مصطفى محمود وإحسان عبدالقدوس، وبنت الشاطئ. وأحمد بهاء الدين.

وبعد ثورة يوليو 1952، شهدت «الأهرام» نقلة نوعية تحت إشراف رئيس تحريرها الأسطوري، محمد حسنين هيكل ولعبت دورًا أساسيًا في دعم مشروع الدولة المصرية الحديثة، وتبنت خطابًا جديدًا يواكب طموحات الثورة في العدالة الاجتماعية، والتحرر الوطني، والتنمية، وعملت على ترسيخ الهوية المصرية.وظلت داعمًا أساسيًا للمشروعات القومية، وشريكا في معركتي التحرير والتنمية من بناء السد العالي، الى حرب الاستنزاف ومرورًا بحرب 1973 وبناء السلام وصولاً إلى المشروعات الوطنية الحالية. وفي عهد إبراهيم نافع رسخت الاهرام مكانتها كمؤسسة إعلامية دولية عبر الوالفرنسية.

ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها الصحافة الورقية في العصر الرقمي، إلا أن «الأهرام» تواصل التطوير والتكيف مع العصر من خلال منصاتها الرقمية، ساعيةً لنقل إرثها العريق وقيمها الوطنية إلى الفضاء الإلكتروني. فالأهرام ليست فقط شاهدًا على تاريخ الأمة، وإنما هي جزء حيوي من حاضرها ومستقبلها.

التعليقات