100 ألف كيلومتر من كابلات الاتصالات تحت مظلتنا للصيانة
نفخر بأن دولة الإمارات ساهمت في تشييد البنية التحتية المعلوماتية للنصف الشرقي من العالم
نمتلك حالياً 5 سفن بحرية لإصلاح أعطال الكابلات البحرية
مثلت الكابلات البحرية التي خرجت للنور في عام 1850 وتجسدت في الخط الذي مدد عبر المحيط الأطلسي، ثورة في عالم الاتصال كونها ربطت دول العالم بعضها البعض، لكن خفت نجم هذه الكابلات بعد استخدام الأقمار الصناعية أو الميكرويف في عمليات الاتصال، إلا أن تكلفتهما وتأثرهما بعوامل الجو كانا كفيلين بالبحث عن طرق أخرى..
ولم يجد الباحثون أفضل من العودة إلى الكابلات البحرية على اختلاف أشكالها والتي حصلت على تطويرات مهمة جعلتها أكثر تحملاً لظروف البيئة فضلاً عن كونها اقتصادية، ويذكر التاريخ أن عام 1984 شهد توصيل أول كابل بحري بين الإمارات ودول الخليج وأطلق عليه كابل الخليج.
وفي عام 1986 تم توصيل أول كابل بين الإمارات والهند ويبدأ مساره من إمارة الفجيرة ويستمر لمسافة 1600 كم، وفي 1987 تم توصيل كابل بحري بين الفجيرة وباكستان وكانت هذه الكابلات مخصصة لأغراض الاتصالات فقط، وفي عام 1991 تم توصيل كابل بين الإمارات وإيران وكان هذا أول كابل من الألياف الزجاجية وشاركت فيه أول سفينة إماراتية والوحيدة في المنطقة آنذاك والمتخصصة في هذا المجال.
"الحكومة الذكية".. زارت عمر جاسم بن كلبان، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ "ئي مارين"، الشركة المساهمة الخاصة والتي تأسست في الثمانينيات كجزء من مؤسسة الإمارات للاتصالات بهدف صيانة و إصلاح و تمديد الكابلات البحرية وباتت حالياً ضمن منظومة البنية التحتية للدولة و المنطقة في مجال الربط بالكابلات.
في البداية، كم عدد الشركات العاملة في هذا المجال بالمنطقة؟
إن شركة ئي مارين تعتبر من الشركات المتميزة في هذا المجال حيث لا يتجاوز عدد الشركات العاملة في هذا المجال 10 شركات في العالم، وبدأت شركتنا في الانطلاق مع مشروعات ربط الخدمات الهاتفية بين الإمارات وكافة الجزر مثل داس، دلما وصير بني ياس، بهدف تقوية الاتصالات وتفعيلها في تلك الجزر، خاصة وأن الجهات المعنية بالاتصالات كانت وقتها تنظر للمستقبل على أساس ربط الدول المحيطة بالإمارات حسب التركيبة السكانية كون الإمارات تضم جنسيات متنوعة، وقد أنجزنا في هذا الوقت نحو 400 كيلو متر من الكابلات ومن هنا بدأنا الاستثمار في البنية التحتية للاتصالات، وتوسعنا تدريجياً حتى أصبح في رصيدنا الحالي 5 سفن متخصصة في صيانة كابلات الاتصالات حول دول آسيا وإفريقيا.
وتحت مظلة الصيانة، فنحن مسؤولون عن ما يقارب 100 ألف كيلو متر من الكابلات البحرية، تبدأ من قناة السويس في البحر الأحمر شمالاً وحتى موزمبيق جنوباً ومن سريلانكا شرقاً حتى الخليج العربي شمالاً، وهي كابلات معظمها عابرة للقارات
- ومن أين تبدأ هذه الكابلات؟
تشكل البحار 75% من الأرض، وعبرها تمدد الكوابل البحرية للوصول من أي نقطتين. الكوابل البحرية تلف الكرة الأرضية فمثلاً الكابل المتصل لليابان من الساحل الغربي للولايات المتحدة يمتد إلى شرق آسيا وشبه القارة الهندية مروراً بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وبعد ذلك للسواحل الشرقية للولايات المتحدة.
- هل هناك محطات ربط لهذه الكابلات؟
بالطبع، لكنها ليست محطات بالمفهوم التقليدي كما يعتقد البعض، بل نطلق عليها محطات تقوية "أمبليفير"، فعلى سبيل المثال عندما يكون الكابل في جدة، ننشئ محطة تقوية كل 70 كيلومتراً بحرياً و يستمر المسار هكذا حتى الفجيرة، وهي نقطة تجمع غالبية الكابلات التي تتفرع عقب ذلك إلى قارات العالم.
- ولماذا الفجيرة بالتحديد؟
لموقعها الاستراتيجي فهي تقع على بحر العرب والمحيط الهندي، الأمر الذي يساعد على توزيع الكابلات بناء على تصنيفاتها فهي إما محلية، أو إقليمية خاصة بدول الخليج أو دولية تصل إلى القارات المختلفة.
- أحرزتم إنجازاً كبيراً بخصوص توصيل كابلات الإنترنت إلى دول آسيوية، لكنها دول تمتلك شبكات إنترنت بالفعل..
يوجد أكثر من كابل بحري يربط جنوب شرق آسيا، الشرق الأوسط، غرب أوروبا و قد يصل طول هذا الكابل لأكثر من 15 ألف كيلومتر ويبدأ من فرنسا ويمر خلال منطقة البحر الأحمر ويستقر في جدة ومن ثم الفجيرة ثم باكستان، سيرلانكا، بنغلاديش، ماليزيا، أندونيسيا وحتى سنغافورة.. و بعض هذه الدول تمتلك شبكات اتصال ولكنها محدودة، ففي السابق اعتمدت الشعوب على الهواتف العادية التي تستخدم في الاتصالات فقط، أما الآن فتحولت الهواتف إلى شاشات لعرض الوسائط المتنوعة، وما نعرفه أن الإنترنت بدأ في المنطقة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي وصاحب ذلك ارتفاع في نسبة استخدام هذه الخدمة، الأمر الذي يمثل ضغطاً كبيراً على الجهة المزودة لخدمات الإنترنت، وصاحب ذلك عطش الجمهور إلى استخدام أجهزة الهواتف الذكية ذات السرعات العالية والسعات البيانية الكبيرة ونحن نساهم في توفير البيئة المناسبة لذلك حالياً.
و هذه الكابلات سهلت خدمات الاتصالات في البنوك والتعليم عن بعد والفيديو كونفرانس، كما أن هذه الكابلات تتحمل عشرات الملايين من المكالمات في الدقيقة الواحدة.
- هل تقدم هذه الكابلات خدمات أخرى؟
تتيح هذه الكابلات خدمات الاتصالات التي تتعلق بإجراء العمليات عن بُعد، الأمر الذي طور في مجالات الخدمات المالية، ولا نغفل تطبيقات التواصل الاجتماعي.. بمعنى آخر الكابل سينقل كل ما يتعلق بالمعلومات بين القارات لهذه الدول وسيخلق مجتمعات ذات ثقافات متقاربة وجديدة وتكون جزءاً من الثورة الصناعية القادمة
وللعلم دولة مثل الهند بها أكبر جهات لخدمات المكاتب Back Office أي تزويد العملاء بالدعم اللوجيستي أو تقديم الخدمات في أي مكان العالم، وهذه الكابلات ستساهم كثيراً في زيادة هذا النشاط.
- وكيف وقع عليكم الاختيار لتنفيذ هذا المشروع؟
كانت هناك مناقصة عالمية بخصوص المشروع واستقرت على شركة مقاولات أوروبية وبدورها أجرت مناقصة أخرى واستقر الأمر على شركتنا، وكان لسمعة دولة الإمارات وتطور بنيتها التحتية في هذا المجال دور كبير في الموافقة علينا.
- برأيك كيف ستواكب الدول التي ستصل إليها هذه الكابلات خدماتكم؟ وهل تمتلك بنية تحتية قوية تناسب هذا التطور؟
كل ما علينا هو توصيل الكابلات البحرية لعدد من الدول أي أننا سنربط العالم بها، في حين يتوجب على هذه الدول ربط المدن والمناطق الداخلية فيها بكابلات و شبكات أرضية تصل ما بين الكابل البحري ومزود الخدمة و المستخدمين للخدمة..
- وما العائد من هذا المشروع على اسم وسمعة الإمارات في مجال الاعتماد على الإنترنت والخدمات الذكية؟
لا شك أن المشروع يضيف الكثير للبنية التحتية للدولة خاصة وأننا نمتلك حصة تساوي 5% من السوق العالمي في مجال توصيل الكابلات البحرية، وساهم هذا في نجاحنا بالفوز في مشروعات أخرى منها توصيل الكابلات لجزر القمر، وآخر لتمديد الكابلات في الخليج وربط جزر المالديف ببعضها.
ونحن نضع نصب أعيننا أن دولة الإمارات مركز عالمي للاتصالات لذلك نجتهد من أجل أن نترك بصمة دامغة في كل المشروعات التي نشارك بها، ونحن نفخر بأننا شركة إماراتية تعمل على مشروعات استراتيجية لربط العالم بالإمارات و نساهم في تشييد البنية التحتية المعلوماتية للنصف الشرقي من الكرة الأرضية.
- اشرح لنا طريقة عمل السفينة في مشروع مد الكابلات؟
قبل البدء في أي مشروع، علينا أن ندرسه جيداً للتعرف على المسار المقترح لهذا الكابل.. وعقب موافقة العميل على هذا المسار نجري مسحاً بحرياً أي نتعرف على المسار من نقطة بدء الكابل وحتى نقطة نهايته، وتسمح لنا هذه الخطوة بالتعرف على نوعية وصلابة التربة حتى عمق 1000 متر ومن ثم تصويرها بنظام ثلاثي الأبعاد وذلك للتعرف على التضاريس في قاع البحر، فتثبيت الكابل يكون بشكل أفقي على سطح البحر ومن ثم نطلب من الجهة المختصة بصناعة الكابلات المناسبة لهذا المشروع من حيث التضاريس البحرية وعمق المياه و البيئة البحرية لقاع البحر و بعد ذلك,نقوم بتحميل الكابل على السفينة في خزانات بشكل حلقات، وتبلغ حمولة السفينة أكثر من 6500 طن من الكابلات.. ومن ثم يتم توصيل الكابل من نقطة الانطلاق وهي عبارة عن غرفة قريبة من الساحل ومن ثم يقوم جهاز المحراث البحري بحفر مسار الكابل بعمق متر واحد وعرض 30 سنتيمتراً ويستمر المحراث في الحفر حتى عمق كيلومتر واحد من سطح البحر ويعقب ذلك مد الكيبل من دون حفر.
وتكون البنية الخارجية للكابلات في المياه الضحلة على هيئة ثنائي الدروع و متينة بشكل مضاعف وذلك لحماية الكابل والألياف البصرية التي بداخله من العوامل الخارجية مثل حركة السفن أو أنشطة الحفر، في حين تقل الحماية في وسط الكابل وذلك لقلة فرص تأثير هذه العوامل، وتستمر عملية مدً الكابل على قاع البحر حتى نقطة الوصول.
- وهل هناك تقنيات جديدة تستخدمونها في إصلاح الكابلات؟
نمتلك سفن وأجهزة متطورة لتحديد موقع ونوعية العطل الذي أصاب الكابل، ومن ثم نقوم برفعه عبر غواصات متطورة تصل لعمق كيلومترين ونصف تحت سطح البحر ومن ثم نرفعه على سطح السفينة، وهنا يتحتم علينا البدء في عملية لحام و توصيل الكابل بشرط ثبات السفينة، وهنا يأتي دور الكمبيوترات وأجهزة الملاحة القادرة على تثبيت السفينة بدرجة تسمح بعملية اللحام مع إجراء فحص بالماسح الضوئي للتأكد من سلامة بقية أجزاء الكابل ومن ثم غلق منطقة اللحام لضمان عدم تأثرها لمدة 20 عاماً.
- في الفترة الأخيرة لوحظ زيادة حوادث قطع الكابلات البحرية .. فهل لديكم خطة لتفادي هذه الحوادث؟
نعمل حالياً على زيادة توعية ملاك السفن من خلال الموانيء ومن خلال وكالات دولية، وتنبيهها ببعض الأخطاء التي تقع فيها، وتعريفهم بمخطط الكابلات وموقعها وعمقها، حيث إن الكابل يمتلك موقعاً جغرافياً ثابتاً يتم تحديده من خلال أجهزة الملاحة البحرية والأخيرة تتيح التعرف على الموقع مع نسبة خطأ تبدأ من 5 أمتار يميناً أو يساراً، وتشدد هذه الوكالات في نشرات التوعية على تفادي رسو السفن في هذه المناطق.
- ما المدة التي تستغرقها السفينة للوصول إلى منطقة العطل؟
تختلف حسب المسافة، فلو حدث قطع في الكابل في منطقة البحر الأحمر، فإن سفننا تتحرك على وجه السرعة من ميناء صلالة وتستغرق 5 إلى 7 أيام. في حين أن عملية إصلاح الكابل الفعلية تتم في فترة أقل على حسب نوع وعمق المياه التي يوجد فيها العطل.
- وهل تظل دول العالم من دون اتصالات خلال هذه المدة؟
نضع في اعتبارنا مثل هذه الحوادث ولهذا يقوم ملاك الكوابل بتمديد كابل آخر مع الكابل الرئيسي وذلك لنقل الخدمة في وقت قصير في حال انقطاع أحدهم.
- ما الأعماق التي تصلون إليها؟
تختلف بحسب نوعية االمناطق، هل هي بحر أم محيط، وقد تمكنا من الوصول لعمق خمسة آلاف متر وكان ذلك في المحيط الأطلسي، وتوجد كابلات في بحر العرب بعمان بعمق أكثر من 4 آلاف متر، وفي هذه الحالة نستخدم نظام تتبع الكابل بحيث تقوم السفينة برفع الكابل من الأعماق ومن ثم سحبه من خلال المرساة المخصصة و الملائمة لتضاريس قاع البحر في المنطقة ذاتها ومن ثم تتبعه إلى منطقة العطل.
- ما التحديات التي واجهتكم خلال تنفيذ المشروع؟ وكيف تغلبتم عليها؟
التصاريح الخاصة بدخول السفن للمياه الإقليمية للدول كونه إجراء يتطلب وقتاً طويلاً في بعض الدول، كما واجهنا مشاكل تتعلق بقوانين التفتيش الجمركي على المعدات أو خفر السواحل للتأكد من شهادات السفن والبحارة، كما نواجه غالباً مشاكل تتعلق بالطقس، حيث تصل الأمواج في بعض الأحيان إلى ارتفاع 8 أمتار والرياح التي تصل سرعتها إلى 60 عقدة وهنا تزيد صعوبة التوازن في السفينة، كذلك نواجه تحديات تتعلق بالمنافسة مع بقية شركات العالم، الأمر الذي يحتم علينا تقديم خدمة مميزة وبأسعار منافسة.
- هناك اتهام موجه لمثل هذه السفن بأنها قد تدمر الشعاب المرجانية وتضر بالبيئة .. فما تعليقك؟
على العكس من ذلك، مشروعاتنا مفيدة للبيئة البحرية، حيث نتعرف على أماكن الشعب المرجانية أثناء المسح البحري ونتحاشى العمل عندها، وفي حال عدم وجود موقع آخر، والأمر يحتم علينا البناء على منطقة الشعاب المرجانية، نقوم بعملية تركيب مواد صديقة للشعاب المرجانية في البحر حين وضع الكابل، كما أن الكابلات لا تتفاعل مع المياه المالحة ولا تخرج منها مواد كيميائية.
- لو نتعرف على مشروعاتكم المستقبلية أو تطلعاتكم خلال السنوات المقبلة؟
نطمح إلى أن نكون جزءاً من المساهمين في بناء البنية التحتية للكثير من دول العالم، حيث نخطط لزيادة طول الكابلات في المنطقة إلى أكثر من 100 ألف كيلومتر، وزيادة حصتنا من السوق العالمي في هذا المجال لتصل إلى 10%، والتوسع الجغرافي إلى دول جنوب أفريقيا ومن ثم ندخل سوق دول شرق آسيا، وسمعتنا التجارية و الفنية كفيلة بدخولنا ميدان المنافسة الدولية.
التعليقات