بالنسبة لتوقيت الانتخابات الرئاسية الأمريكية فهي نقطة حساسة استغلتها إيران في الدفع بالولايات المتحدة للضغط على إسرائيل بحيث يكون رد الفعل الإسرائيلي على إيران ضمن الخطوط الحمراء التي وضعتها أمريكا وبما لا يمس البنية التحتية والبرنامج النووي الإيراني.
ولكننا لا يمكن أن نجزم بشكل قاطع أن الرد الإيراني مرتبط بتوقيت الانتخابات الأمريكية. فقد أعلنت إيران أنها سترد حتى وإن جاء بعد تضارب في التصريحات الرسمية الإيرانية التي أعلنت في البداية أن الضربات الإسرائيلية ضمن النطاق المحتمل، وفي اليوم التالي تغيرت نبرة التصريحات الإيرانية بحتمية الرد على إسرائيل. وأعتقد أن إيران تهدف بذلك إلى حفظ حقها في الرد في أي وقت وبأي شكل من الأشكال. بل وإعطاء شرعية لأي ضربة ايرانية مستقبلية حتى وان كانت ضعيفة كسابقتها.
علمًا بأن هناك عوامل أخرى تتحكم في توقيت ونوعية وقوة الرد الإيراني. فلو أطلعنا على الوضع الداخلي في إيران سنجد أن صحيفة جهان صنعت أعلنت بوضوح أن الاقتصاد الإيراني يمر بأزمة بسبب سوء العلاقات مع أوروبا والعقوبات الأمريكية على الاقتصاد الأمريكي ولا أعتقد أن النظام الإيراني سيجازف بمزيد من الخسائر الاقتصادية وتحمل العقوبات من أجل الرد على إسرائيل وحفظ ماء الوجه في حدث بسيط مقارنة برد الفعل الإيراني الضعيف على حدث عظيم سابق وهو اغتيال اسماعيل هنيه داخل أحد دور ضيافة الحرس الثوري الإيراني وفي عقر دار خامنئي ورغم ذلك لم يرد النظام خوفًا على مكتسباته من الأزمات التي افتعلها في المنطقة بدءًا من حرب غزة وصولًا إلى رعاية الميليشيات في المنطقة وفي مقدمتهم الحوثي وفوضى البحر الأحمر التي يقودها.
مما أغرق الخزينة الإيرانية بمبلغ 20 مليار دولار لتحييد موقفها مع بداية أزمة غزة ونجاح خامنئي في لفت الأنظار بعيدًا عن برنامجه النووي الإيراني الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الإعلان عن امتلاك القنبلة النووية مع حلول عام 2025 وفق ما صرح به النائب السابق لوكالة الطاقة الذرية. وبالنظر للوضع الداخلي في إيران وهو أيضًا أحد محددات الرد الإيراني على إسرائيل سنجد أن الشارع الإيراني يعيش حالة غضب لا يمكن السيطرة عليه منذ حادث مهسى أميني وحتى اغتيال هنيه في عمق طهران.
وكذلك الأوضاع الاقتصادية والإنسانية المزرية التي يعيشها الشعب الإيراني نتيجة سياسات النظام غير المتزنة على مستوى داخلي وخارجي. وهذا ما يخشاه خامنئي أنفجار الشارع في وقت فشلت فيه حكومة الرئيس الجديد لإيران لهذا العام مسعود بزشكيان في تلبيه ابسط مطالب الشعب الايراني. وعلى مستوى عسكري فإن الوضع في ايران لا يحتمل الدخول في حرب مفتوحه ومباشرة مع اسرائيل في وقت يحاول فيه الحرس الثوري دعم كل الميليشيات الايرانيه بالسلاح بدءا من حزب الله الذي بدا ينهار بعد السقوط قيادات الصف الاول والخسائر الكبيره في ترسانته العسكريه وهذا ما بدا واضح في خطاب نعيم قاسم الاخير .وصولا الى الحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن. مما اثر على الترسانه العسكريه لدى ايران ونجاح المخطط الاسرائيلي في جر ايران الى حرب استنزاف عسكري واقتصادي وسياسي وهذا هو الفخ الذي تنبهت اليه ايران مؤخرا. لذلك قرر نظام خامنئي عدم الانجرار الى فخ الاستنزاف الاسرائيلي.
وهنا يمكننا القول ان النظام الايراني منذ صعود الخميني حاول بكل الطرق القضاء على مدنيه الدوله الايرانيه وتحويلها الى دوله عسكريه لا يعلو فيها الا صوت السلاح والبارود وقمع الافواه والحريات ورغم ذلك فان الدوله العسكريه الايرانيه الخمينيه سقطت وفشلت امام اول اختبار عسكري حين تلقت اول صفعه من اسرائيل. لقد عمل نظام الخميني منذ صعوده للحكم على عسكره كل المؤسسات المدنية في إيران حتى أنه جعل فصيل من الشعب المدني الايراني وهم قوات الباسيج بمثابه اليد العسكريه في زي مدني المسلطه على باقي المدنيين.
اما عن تأثير الاتفاقية العسكرية الروسية الإيرانية وتأثيرها على أي حرب محتملة ما بين إيران وإسرائيل. فعلينا أن نشير إلى أن التعاون في التكنولوجيا العسكرية بين طهران وموسكو، بدأ بالحرب في أوكرانيا عام 2022 كما أن له صلة بالضربات الإيرانية التي وجهت إلى إسرائيل.
علما بان الجانب الروسي لا يريد ان تدخل ايران في حرب مفتوحه مع اسرائيل ومن خلف امريكا وذلك لعلم الرئيس بوتن بمخطط حرب الاستنزاف التي تاخذها امريكا ضد الحليف المخلص لروسيا وهي ايران. خصوصا ان طهران امدت موسكو بسرب من الطائرات المسيره التي استخدمتها الاخيره في غزو اوكرانيا ومن ناحيه اخرى كانت روسيا وعدت بتسليم ايران سرب طائرات سوخوي 35والتي كانت في الأصل مجهزة من أجل صفقة مع مصر لكنها لم تتم. وأبدت إيران بالفعل اهتمامها بالحصول على هذه الطائرات.
وهذا ما سيجعل أي عمليات جوية على إيران شبه معقدة. بالنظر إلى أن القوات الجوية الإيرانية ليس لديها في الوقت الراهن سوى بضع عشرات من الطائرات المقاتلة، معظمها من الطرازات الروسية القديمة والطرازات الأمريكية التي عفا عليها الزمن من مخلفات نظام الشاه والذي سبق الثورة الإسلامية عام 1979.
التعليقات