متحف الإبادة الجماعية بغزة «2»: المحتويات

متحف الإبادة الجماعية بغزة «2»: المحتويات

د. محمد يونس

شاركت فى مؤتمر دولى حول دور الدين فى خدمة المجتمع بالولايات المتحدة فى تسعينيات القرن الماضي، ولفت نظرى أن برنامجه تضمن زيارة لمتحف الهولوكوست بواشنطن وعندما سألت عن السبب قالوا: لتوعية الأجيال بهذه الجريمة تجنبا لتكرارها مستقبلا، هذه المحرقة التى لم يرها إلا عدد قليل جدا، أنشئ لها 350 متحفاً ونصباً تذكارياً بعواصم العالم، ولهذا لم تتكرر المحرقة لليهود، بينما تكررت الإبادة الجماعية لشعوب أخري. لذلك لدينا أسباب جوهرية لإنشاء متحف الإبادة فى غزة - فضلا عن معاقبة مرتكبى هذه الجرائم- من أهمها:

أولا: كل المفاوضات الجارية لوقف الإبادة الجماعية بغزة لا تضمن عدم عودة العدوان الصهيونى بعد استعادة الرهائن، ولا معاقبة إسرائيل. ثانيا: جرائم الإبادة الجماعية تكررت فى القرن الماضى (مثل: قتل ألمانيا 75 ألفا من الهيريرو والناما بناميبيا، وقتل الهوتو لنحو 800 ألف من التوتسى برواندا) لأنه لم يعاقب مرتكبوها ولم تحظ بالقدر نفسه من التوعية التى حظيت بها المحرقة. ثالثا: الكيان الصهيونى لم يكتف فقط باحتلال أراض فى 3 دول عربية وإنما لديه أطماع توسعية بالمنطقة فيما يسمى بإسرائيل الكبري. رابعا: هناك نية صهيونية لحذف أدلة الإبادة الجماعية بغزة من المنصات الرقمية وغيرها، وهو ما أشار إليه مشروع الإعلام التخيلى لمعهد ماساتشوستش للتكنولوجيا MIT الذى يتضمن تجارب مسبقة للمستقبل، باستخدام الذكاء الاصطناعي، منها التزييف العميق للأحداث، ومحو الإبادة الصهيونية بغزة.

لذلك لابد من إنشاء متحف الإبادة ومعاقبة مرتكبيها، وإذا كانت المعاقبة تتطلب إجراءات دولية قد تصطدم بالفيتو، فإن إقامة المتحف تحتاج فقط لمبادرة تبدأ فردية ثم تنتشر بدول أخري. وفيما يلى اقتراحات لمحتويات المتحف:

أولا:القاعة التأسيسية:لأن التاريخ لم يبدأ يوم 7 أكتوبر 2023 كما تروج إسرائيل، لذا نقترح أن يبدأ المتحف بمعرض لـ «نكبة 1948» التى شردت الشعب الفلسطيني، ليُظهر أن معاناة غزة هى حلقة فى سلسلة طويلة من التطهير العرقى للفلسطينيين، يتضمن خرائط وصورا توثق التقلص الجغرافى لفلسطين، وأخرى عن مخيمات اللجوء، ونبذة عن صمود الشعب الفلسطينى وتشبثه بهويته وأرضه.

ثانياً: قاعة الإبادة تجسد قلب المتحف، وتتضمن: شهادات الناجين: شاشات تفاعلية تعرض مقابلات مسجلة مع ناجين، يروون فصولاً من الرعب، من تحت الأنقاض، ومن داخل المستشفيات المهدمة، ومن رحم المجاعات.

- جدار الشهداء: حائط يحمل أسماء الشهداء، ليس كأرقام مجردة، بل كبشر كان لهم أحلام وقصص، فيعرض الصور والقصص الشخصية لبعضهم. وكفاحهم تحت القصف والتجويع والنزوح، ويمكن ان يتضمن أقساما لصور الفئات التى قتلها جيش الاحتلال كالإعلاميين والأطباء والمسعفين ومتطوعى الإغاثة وأساتذة الجامعات والمعلمين.

- أرشيف الدمار: مجسمات مصغرة ومخططات للمدن والأحياء والمساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس والجامعات والمرافق الاخرى التى دُمرت بالكامل. مع عرض مقارنة مرئية للمدن ومحتوياتها قبل القصف وبعده.

- ركن الأطفال: يضم صور الأطفال وأعدادهم وألعابهم المشوهة المحروقة، ودفاترهم المدرسية عليها بقع دماء، ورسوماتهم الأخيرة. وغيرها من أثار الجريمة.

- أرشيف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي: شاشات تعرض لقطات مصورة التقطها الصحفيون والمواطنون أثناء الحرب، وتسجيلات صوتية لصرخات الاستغاثة، ورسائل «الوداع» التى كتبها المحاصرون تحت القصف.

- ركن الأفلام الوثائقية التى سجلت جرائم الإبادة مثل فيلم «صوت هند رجب»

ثالثاً: قاعة التوثيق الدولى والقانوني. تجمع تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والأمم المتحدة وآراء الخبراء القانونيين الذين أكدوا وجود مؤشرات الإبادة الجماعية.ونصوص القرارات الدولية التى تم التصويت عليها بخصوص غزة، وبيانات الدول التى دعمت فلسطين أو وقفت ضدها.وشرحاً لبنود «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية» ومقارنتها بالوقائع على الأرض فى غزة.

رابعاً: قاعة الصمود والإغاثة: توثق جهود الكوادر الطبية الذين استشهدوا أثناء أداء واجبهم. وقصص المتطوعين فى إغاثة الجرحى وإنقاذ المحاصرين. وصور ومقتنيات لشعب غزة وهو يصنع الحياة من بين الركام، من خلال أفران الطين وزراعة أى بقعة أرض متاحة. ويمكن إضافة قاعات لمحتويات وأمور أخرى مثل سجل الزوار.

إن متحف الإبادة الجماعية المقترح لن يكون نصبا للموتي، بل سيكون منبرا للأحياء، لئلا تتكرر مأساة غزة، ولكى تظل قضيتها حية، حتى تتحقق العدالة والحرية. أما معاقبة إسرائيل فتحتاج إلى مقال آخر.

التعليقات