بات من الواضح أن نظام "الملالي" يقترب من حافة الهاوية،بعد أن وصلت العقوبات الأمريكية إلى حد تصفير الصادرات النفطية الإيرانية ومنع تجارة المعادن النفيسة ومؤخرا طالت العقوبات قطاع العقارات وبعض الشخصيات البارزة ومنهم المرشد الإيراني ووزير خارجيته جواد ظريف مما أدى إلى وصول معدل التضخم بطهران إلى 50% وفقد العملة لأكثر من 60% من قيمتها،مع توقع صندوق النقد الدولي أن يزيد معدل التضخم العام القادم إلى حدود 37%في استمرار الوضع الإقتصادي كما هو عليه,وهذا ما جعل النظام الإيراني أكثر تشبثاً بالعراق كمنفذ خارجي للإلتفاف على العقوبات الأمريكية من خلال إستخدام ميناء البصرة في بيع النفط والغاز الطبيعي والتبادل التجاري، وكذلك بيع المخدرات للشباب العراقي بالإتفاق مع بعض العناصر الموالية لإيران والمندسىة داخل الحكومة العراقية والقطاعات المختلفة من الدولة والتي تسهل عملية دخول المواد المخدرة وتوزيعها.
إذا فلا عجب أن نرى إطلاق الحكومة العراقية لمعتقلي "داعش" من سجون الموصل،وبعدها مباشرة يعلن مدير محطة إخبارية قطرية وهو شخص من أنصار حزب الله اللبناني ويصرح على صفحته الرسمية قائلاً "داعش في طريقها إليكم" ويقصد بها تهديد المتظاهرين العراقيين بالقتل،تبع ذلك قيام عناصر الحرس الثوري و أتباعهم من عصائب أهل الحق والخرساني وأبو الفضل العباس و ميليشيا عمار الحكيم بإستلام القذائف الفتاكة والقنابل المسيلة للدموع ثم يندسون بين المتظاهرين السلميين ليصنعوا حالة من الفوضى يليها إلقاء القذائف الخطيرة المصنوعة في تركيا وإيران مباشرةًعلى رؤوس المتظاهرين،لتهديدهم ومنعهم من المطالبة برحيل الحكومة العراقية الحالية،حفاظا على استمرار النفوذ الإيراني. حتى أن الأمر لم يخلو من خطف السيدات ومنهم الناشطة صبا المهداوي من وسط التظاهر، بواسطة عناصر تابعه للملالي من ثم الإعتداء عليها وإلقائها بجانب منزلها،كرسالة تهديد واضحة للنساء العراقيات بعدم النزول والمشاركة في التظاهر.ولعل ما فعلته تلك العناصر الإيرانية مع الناشطة "مهداوي"خطط له أثناء الإجتماع السري الذي شمل قاسم سليماني ومقتدى الصدر و رضا إبن علي السيستاني,وقد عرض عليهم الأخير أن ينزل بين المتظاهرين ويحاول تهدأتهم مستغلا مكانة والده الدينية عند المتظاهرين من الشيعة،ولكن ذلك بمقابل منح رضا السيستاني مقعد والده كأكبر مرجعية دينية بالعراق.
لماذا العراق؟
بات واضحا ان الملالي فقد سيطرته على أذرعة الإرهابية داخل المنطقة العربية,فجميعنا شهدنا مظاهرات لبنان والعراق التي خرج فيها الشيعة و السنة مطالبين بمنع التدخل الإيراني بدولهم,و رأينا إنجاز المملكة العربية السعودية بتوقيع إتفاق الرياض رغم كل ما قدمته تركيا وقطر لدعم الفوضى داخل اليمن ورغم ما فعله الحوثي لزرع الفتنة والطائفية بين الشعب اليمني, وهذا ما يعد أكبر دليل على فشل المشروع الديني والسياسي الإيراني داخل الدول العربية. وتبقى العراق ذات طابع خاص لدى النظام الايراني ، فمنذ الفتوحات الإسلامية على يد الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ولم ينسى الفرس ما تلقوه من ضربات موجعه، لذلك تلقى "حوزة النجف" اهتماما دون غيرها من الحوزات العلمية عند إيران، نظراً لقيمتها الدينية والسياسية كون السيستاني و الخميني والخامنئي وحسن نصرالله من طلابها،حتى وإن بدا الصراع واضح بين حوزة قم والنجف على من سيصبح المرجع الأعلى ويجنى المكاسب المادية والسياسية والدينية المنشودة.وقد بدا هذا الخلاف واضحا بعد إنضمام حفيد أية الله على خامنئي لحوزة النجف تاركاً "قم" عام 2018.
السيستاني المختبئ وإيران
طالما حاول الملالي ترسيخ نفوذه بالعراق بإستخدام علي السيستاني المرجع الديني الأكبر بالعراق وحب الشيعه له والتسابق في طاعة أوامره وتفعيل فتاواه، ولكن هذا الممثل الذي لا يجيد نطق العربية أصبح الأن محط استنكار وهجوم من قبل المتظاهرين العراقيين شيعه وسنة ،كونه لم ينفذ ما طلبه العراقيين حتى الأن و لم يخرج على الثوار ليعلن أولا إدانته لسفك دماء الأبرياء خلال التظاهرات التي شملت معظم مدن العراق، من ثم يعلن موقفه المتضامن مع المتظاهرين العراقيين المطالب برحيل الحكومة الحالية ومنع التدخل الإيراني، وفي غياب ما ذكر أصبح مؤكدا لنا أن هذا السيستاني غير قادر على الفعل أو الحركة أو النطق. والغالب أنه مريض لايعي ما حوله، لكن ختمه وتوقيعه تخرج به الفتاوى من آن إلى أخر.ووفق مصادر مطلعة، فإن السيستاني ومنذ آخر ظهور علني له يتحدث إلى الناس قبل سنوات طويلة، فقد دخل في غيبوبة ولم يعد قادر على مقابلة أحد أو الحديث عن أحد. وكل الخطابات والفتاوى التي تصدر عن السيستاني لا يعرف عنها شىء،إن الميليشيات والمراجع تحكم بإسم رجل ميت ولذلك لا يظهر ولايقدر على الظهور حتى في مناسبة الانتخابات العراقية وقد كانت أهم حدث سياسي في العراق.
تفجير القنصلية الإيرانية بالنجف وسيناريو الإعتداء على منزل السيستاني؟
إن تصريحات أبو مهدي المهندس وغيره من أذناب إيران من المليشيات "أن المرجع الاعلى السيستاني هو خط أحمر وكل من يحاول أن يمسه بشيء سوف نقطع يده". وهذا يجعلنا نتوقع أن هناك سيناريو يدبر من قبل طهران إما لقتل السيستاني أو تفجير منزله كما فعلوا بمرقد المهدي العسكري في سامراء،وهذا يعود لعدة أسباب:
أولها أن المرجعية لم يعد لها أي دور تلعبه وانها منحازة للحكومة،وأن الثوار لا يعولوا عليها باي حال من الأحوال، فلا تصريح واضح يثبت على ان المرجعية تقف مع المظاهرات السلمية ولم تصدر فتوى تحرم قتل المتظاهرين ،إن الشعب العراقي عامةً والشيعة خاصةً بات على يقين بأن الذي في النجف ليس السيستاني وانه لم يعد من الأحياء بل من آلاموات ،والشعب قد بدأ يطالب المرجعية بخروج السيستاني وأن يتحدث لهم حتى ولو باللغة الفارسية وهذا سوف يجعل الحكومة في حرج ولابد من عمل سيناريو لتفجير بيت السيستاني لكي لا يكون دليل على كذب الحكومة وانها كانت طيلة هذه السنين قد خدعتهم بوجود السيستاني.
وأنا أعتقد أن حرق القنصلية الايرانية في النجف هو مفتعل وقد نفذته عناصر تابعه لإيران والدليل على ذلك خروج الدبلوماسين الإيرانيين دون وقوع أي أذى وانسحاب قوة الحماية والتي كانت مسؤولة على حماية القنصلية حيث تركت الثوار يعبثون بها ويحرقوها،والسؤال لماذا هذا التوقيت بالذات؟ قبل أيام أعلنت المرجعية أنها تحذر المتظاهرين العراقيين من الإنزلاق،وأنهم ليسوا على صواب في إصرارهم على تغيير النظام وانهم بذلك سوف يعطونها لغيرهم. هذا التصريح أعتقد أنه جاء تصاعدياً لكي تدخل الاضطرابات مدينة النجف،ومن ثم حرق القنصلية وبعدها محاصرة بيت السيستاني،وبعد ها تقوم الحكومة بإخراج بيان على ان أيادي خبيثة قد فجرت بيت المرجع الديني ،بذلك يتم إستمالة الشيعة العراقيين وتوحيد صفوفهم خلف الحكومة الحالية التي سارعت بالثأر لقتل المرجع الشيعي الأكبر كما سوف يروج له القنوات والصحف التابعة لإيران ،وتبدأ صفحة ثانية من الحرب الأهلية والتي لا يعلمها الا الله متى تبدأ ومتى تنتهي،بذلك ينجح نظام الملالي في صرف المتظاهرين عن الميادين والشوارع ،والإبقاء على نفوذه في العراق بالإبقاء على الحكومة العراقية الحالية.
ويبقى السؤال، هل تصبح العراق طوق النجاة للنظام الإيراني في الإلتفاف على العقوبات الأمريكية،وأن تتخذ من الهجمات على القنصليات التابعة لها ذريعة لتعزيز التواجد العسكري لها بل واحتلال بعض المدن العراقية إن لزم الأمر،مستغلة بذلك حالة الفوضى والمجازر التي صنعها بالعراق؟
د.سميه عسله باحثة بمعهد البحوث والدراسات العربية - جامعة الدول العربية
التعليقات