الجزء الثاني
في المجتمعات المتحضرة
"يعتبر كل من يحمل لقب "فنان" أنه يحمل الخير لهذا الكوكب وسكّانه.."
أن الفنان ليس كباقي أفراد المجتمع!
ولذا في تلك المجتمعات المتحضرة.. يعطون الفنان اهتماما كبيرا..
وذلك لأنهم ينتظرون منه الكثير.. في المقابل!
ولأن الفنان مختلفا في فكرة وثقافته ووجهة نظرة..
فإنه بذلك يمكن أن يقدم للمجتمع الكثير من إبداعاتٍ خارقة
– من خارج الصندوق –
وأن يجد حلولا فعالهٍ للمشكلات المتفاقمة والكبيرة
من خلال وجهات نظرة العميقة والخلاقة.
وثقافة وعلم الفنان الواعية للتاريخ.. تؤهله فهم واستنباط الحاضر
فالفنان الحقيقي فقط
هو من يمتلك نظره شديدة التعمق والتي تمكّنه من رؤية الصورة في هيئتها النهائية.. المتكاملة!
الفنان ليس مجرّد شخص يرسم أو يصور أو ينحت أو يعزف المقطوعات الموسيقية
الفنان هو مفكّر
على أعلى درجات التأمل والفلسفة والثقافة
ذلك أنه يكشف الأمور بمختلف أبعادها وتفاصيلها وأنماطها
من منظورٍ شديد الخصوصية
وذلك لأن مساحة الخيال لديه أكبر وأعمق عن المتلقى..
في المجتمعات المتقدمة..
لا يمكن للعالِم الباحث المخترع أن يكون مبدعاً إن لم يكن متصلاً بالفنون
ويحضرنى هنا نموذجا فريدا وهو " ليوناردو دافنشى".. الفنان العالم والمبتكر..
لقد أصبحت العلوم بحاجةٍ قصوى للامتزاج بالفنون..
لتغذى.. وتفيد.. وترقى.. القيم الإنسانية.
واستشهد هنا بمقوله لرائد علم النفس
"سيجموند فرويد..."
"ولعل الاستمتاع الفني هو قمة اللذات المتخيلة, ومن خلال الفنان يتيسر تذوق الأعمال الفنية، لمن لا يستطيعون الخلق ولا الإبداع.
ولا يقدر الناس الفن كمصدر من مصادر السعادة والعزاء في الحياة
ومع ذلك فالفن يؤثر فينا, لكن تأثيره مخدر لطيف
نحن نلوذ إليه من شقاء الحياة, ولكنه ملجأ مؤقت.. فتأثيره فينا ليس بالدرجة التي تجعلنا ننسى شقاء الحياة
*
لم تكن علاقة مصر بالسينما في بداية مولدها على وفاق..
فكانت النظره شديدة التدني!
تم نبذ كل من يعمل "مشخصاتياً" وسط الطبقات الأرستقراطية!
ومنع الأخذ بشهادة الممثلين في المحاكم!
وكان المشخصاتي خارج على القانون!
ولكن تظل شوائب اغتيال شخصية الفنان عالقة حتى الآن
بل.. وتزيد يوما بعد يوم!
*
كتاب (فنون عصر النهضة- الرينيسانس)
يصف لنا الرائع الدكتور ثروت عكاشة
في ذلك الكتاب- وهو من أهم مراجع فنون ذاك العصر الأوروبي-
يصف لنا عصر النهضة
بأنه عصر اكتشاف العالم والإنسان معاً،
لأن الكشوفات الجغرافيّة التي حدثت خلاله،
مكّنت إنسان هذا العصر من اكتشاف نفسه، من خلال ارتياده للأراضي المجهولة
واكتشاف عوالم جديدة، ساهمت في إبراز المذهب الإنسانوي والإصلاح الديني، والاكتشافات العلميّة، وازدهار الفنون، ما ساهم في تأسيس العلاقة بين أوروبا والآخر!
وإعادة الاعتبار للذات الإنسانيّة.
ويشرح لنا تولستوى كيف تنشأ حالة التفاعل لدى
الفنان مع مجتمعه
" تبدأ المسالة بأن يستثير المرء في نفسه إحساسا سبق له إن خبره أو مر به,
إذ يستثيره المرء في نفسه, فإنه باستخدام الحركة والخطوط والألوان والأصوات أو الأشكال التي يتم التعبير عنها بالكلمات
يحاول أن ينقل ذلك الإحساس حتى يمارس الآخرون الأحساس نفسه.. هذا هو النشاط الفني.."
ويسترسل تولستوى مفسرا
"الفن نشاط انسانى
يتكون من أن يحاول واحد من الناس أن ينقل بوعى مستخدما إشارات خارجية معينه, يحاول أن ينقل إحساسات معينه, عاشها هو,
ثم يتأثر الاخرون بهذه الاحساسات ويعيشونها هم أيضا"
*
وبقى لنا نسال السؤال الأهم
من وجهة نظر الرجل الذى يصنع عملا فنيا..
ماذا يفعل؟ ولماذا يفعله؟ ولمن يفعله؟
ففي الأجابه على تلك الأسئلة تكمن الإجابة على
ما هى وظيفة الفنان بين مجتمعه؟
وماذا يعنيه الفن بالنسبة لنا جميعا؟
*
ومضات سريعة
"الفن مادة تاريخية.. حيث يوقفنا على أحوال وأحداث وقصص أخلاق وحضارات الأمم.. والأنبياء في سيرهم والملوك والحكام في دولهم وسيرهم
حتى تتم فائدة الاقتداء بأحسن ما فيهم..
في أحوال الدين والدنيا".
"الفن مقياس لتحرر الفنان في ساعات إبداعه ليعطي مذاق الحرية للآخرين إلى الأبد".
وهنا أشير إلى ما قاله أرسطو لاصباغ صيغه أو منظور جديد للفن والفنان..
"الفن شكل من أشكال العلاج"
ومن خلال ومضات لمقولات سريعة أعطى الضوء سريعا لإبعاد أخرى للفن والفنان تظهر أهمية الفن والفنان للمجتمع كضرورة أساسية وليس كعنصر للرفاهية!
"كل فن يحمل نورا إلى الآخر..
لكن الحضارة هي فن الإيمان بأنه يمكنك أن تبني على ثوابتك بناءً شامخاً عزيزاً"
"الفن أداة أو سلاح سحري في يد الجماعة الإنسانية في صراعها للبقاء"
"يبدأ الفن حيث تنتهى الرغبة" دليلا على نقاء وطهارة الفن..
"الفن دعوة لخلق الإنسان". دليلا على البعد والعمق الانسانى..
"الإبداع لا وطن له "
وفى المقولة الأخيرة يلغى الفن فكرة التعصب والقبلية
يلغى الحدود الجغرافيه والعقائديه
فالفن هو السلام الانسانى في أرفع صوره وارقاها.
*
لن ينكر أحد العلاقة العميقة القائمه بين الفنان والمجتمع
الفنان الحقيقي لا يبالى بأى مواد أو ظروف مفروضة عليه!
فهو يقبل أي ظروف كانت مادام قد أمكن استخدامها من أجل التعبير عن إرادته ورغبته في التشكل..
للتعبير والدفاع وترسيخ تلك القيم المؤمن هو بها.. والتي تشكل جزء هاما من صفات الإنسانية.
وهنا
أصبح من الواضح لدى القارئ لسلسة مقالاتى السابقة
وخاصة الأخيره تلك
لماذا أردت – مع سبق الإصرار والترصد-
خوض تجربة الكتابة.
واسمحوا لى اختتم مقالى بتلك المقولة الثاقبة "لبرنارد شو"
"عقل الأحمق
يرى الفلسفة ثرثرة, والعِلم خراف
ويختزل الفن في الرسم!
التعليقات