مولد «روائية»

مولد «روائية»

عبدالمحسن سلامة

ما بين بحيرة جنيف المضيئة النظيفة المبهرة التى تحيطها الإضاءة والجماليات الفنية والتحضر، وتمرح على شطآنها الطيور بسلام وطمأنينة، وما بين البحيرة الواقعة على آخر نقطة بخريطة الدلتا فى مصر على شاطئ البحر المتوسط التى لا ينجو بها شيء من مقصلة الصياد، لا سمك ولا طير، ولا تجرؤ امرأة على الاقتراب، فيما عدا نساء الصيادين اللاتى تأتين لمعاونة أزواجهن، تدور رواية فتاة وبحيرتان لتعلن مولد روائية متميزة، قادرة على الإمساك بخيوط الرواية ببراعة فائقة، منذ السطر الأول وحتى السطر الأخير.

حينما تبدأ قراءة رواية أمانى القصاص الجديدة «فتاة وبحيرتان« لا تستطيع أن تخرج منها دون استكمالها لصدق المشاعر، والقدرة على التجسيد، والبراعة فى الغوص فى الأعماق وإبراز التناقضات، والصراعات.

فى البداية شعرت بأن الرواية تتعلق بنساء تلك القرية الواقعة على شاطئ البحر المتوسط، وقصة تلك الزوجة التى أيقظها زوجها قبل الفجر لتجرى خلفه بخطى لاهثة لتجهيز مركب الصيد، ثم تنتظر عودته بعد انتهاء رحلته التى قد تستغرق أياما وربما أسابيع لتقوم ببيع حصيلة الصيد فى «طشت السمك» الصغير فى حلقة السمك.

يكتشف القارئ بعد ذلك أنها مجرد بداية لرواية ضخمة حول حياة البطلة التى نشأت فى قريتها البسيطة، وانتقلت إلى جنيف، لكن البطلة اعتادت الاستيقاظ فى نفس موعد استيقاظها فى القرية، لتسترجع ذكريات حياتها المزدحمة بالأحداث والتفاصيل الدقيقة التى تجيد سردها بلغة غنية ومفعمة بالإحساس والحيوية.

تكشف البطلة بعد ذلك تفاصيل حياتها مع من حسبته فارس أحلامها لتكتشف فيما بعد أنه سارق أحلامها، ولأسباب عديدة لا تستطيع الانفصال عنه خاصة بعد تدهور أحواله الاجتماعية والمهنية والمادية.

هى لا تستطيع التخلى عنه فى تلك الظروف، لكنها لا تستطيع مسامحته والعيش معه بسلام، لتقع فى دوامة العلاج النفسى وأدوية الاكتئاب، وتبدأ وتيرة الصراع فى التزايد، ومعها لا يمكن للقارئ أن يكتفى بالقراءة حتى إشعار آخر، وتنجح الكاتبة فى جذب القارئ ليرى تفاصيل الصراع فى البحيرة الأولى التى تعكس القيود والتقاليد وبين البحيرة الثانية التى تعكس الحرية والانفتاح.

يصعب أن تترك الرواية حتى سطرها الأخير، ومعها مولد روائية جديدة ومتميزة نجحت فى ولادة نص أدبى متميز يلامس أوجاع القراء من السيدات والرجال وتساؤلاتهم المعلنة وغير المعلنة.

التعليقات