وعد «ماكرون» والعبء التاريخى البريطانى

وعد «ماكرون» والعبء التاريخى البريطانى

عبدالمحسن سلامة

وعد ماكرون بالاعتراف بالدولة الفلسطينية فى سبتمبر المقبل ربما يذكرنا بوعد بلفور عام ١٩١٧ الصادر عن الحكومة البريطانية عام ١٩١٧، الذى أعلنت فيه تأييد إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، من خلال وثيقة أرسلها وزير الخارجية البريطانى آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد، أحد قادة الحركة الصهيونية.

كان هذا الوعد المشؤوم هو بداية زرع الجسد الإسرائيلى فى المنطقة لتظهر إسرائيل فعليًا عام ١٩٤٨.

لم تكتفِ إسرائيل طوال تلك الفترة بحدودها ووعد بلفور الذى أكد على عدم المساس بحقوق السكان غير اليهود (العرب) فى أراضيهم، لكنها امتدت كالسرطان تنهش كل جيرانها حتى التهمت كامل الأراضى الفلسطينية ومناطق أخرى كثيرة فى دول الجوار.

بعد ٧٧ عامًا، جاء وعد ماكرون والحكومة الفرنسية ليحيى آمال إقامة الدولة الفلسطينية من جديد بعد ٧٧ عامًا من المعاناة، والتهجير، والإبادة، والتجويع للشعب الفلسطينى طوال هذه الفترة وحتى الآن.

أهمية الوعد الفرنسى أنه قام بتحريك المياه الراكدة فى الدول الأوروبية الداعمة والمؤيدة بشدة لإسرائيل، والأهم من ذلك هو الاعتراف البريطانى بالعبء التاريخى على كاهلها، حيث جاء على لسان وزير خارجية بريطانيا ديفيد لامى أن الحكومة البريطانية تنوى الاعتراف بدولة فلسطين فى سبتمبر المقبل مع الاعتراف بالعبء التاريخى، مشيرًا إلى أن تاريخ بريطانيا يؤكد أنها تتحمل عبئًا خاصًا من المسؤولية لدعم حل الدولتين.

العبء البريطانى يأتى من وعد وزير الخارجية الأسبق بلفور حينما أعطى من لا يملك لمن لا يستحق وعدًا بإنشاء دولة يهودية فى فلسطين، رغم أن الجالية اليهودية فى الأراضى الفلسطينية لم تكن تتخطى ٥٪ من عدد سكان الأراضى الفلسطينية، وأنهم كانوا يعيشون بسلام وأمان كعرب يهود داخل الأراضى الفلسطينية، ولم تُسجل بحقهم أية انتهاكات ممنهجة مثلهم فى ذلك مثل باقى اليهود فى مختلف الدول العربية.

الانتهاكات بحق اليهود كانت فى الدول الغربية، والدول الأوروبية على وجه التحديد بحسب الروايات اليهودية ذاتها، سواء تلك الروايات المتعلقة بالانتهاكات النازية فى ألمانيا أو بعض الانتهاكات الأخرى فى بعض الدول الأوروبية، ورغم ذلك تحملت فلسطين ما لا ذنب لها فيه، وتحملت عبء إنشاء وطن لليهود فى أراضيها على غير سند من التاريخ.

الآن تقوم إسرائيل بأبشع انتهاكات ضد الشعب الفلسطينى أصحاب الأراضى الأصليين، وتمارس بحقهم ما كانت تشكو منه ضد اليهود فى الدول الأخرى، بل إنها تقوم بما هو أبشع وأعنف، حينما تقوم «بتجويع» شعب بأكمله وتمنع عنه الغذاء، والدواء، والماء فى أبشع صور الإبادة الجماعية فى العصر الحديث.

إعلان ماكرون وبعده إعلان كير ستارمر رئيس الوزراء البريطانى، دفعا كندا وأستراليا إلى السير فى نفس الاتجاه بعد إعلان العديد من الدول الأوروبية قبل ذلك الاعتراف بدولة فلسطين مثل إسبانيا، والنرويج، وأيرلندا، والسويد، وسلوفينيا، وغيرهم، ليعيدَ تلك الاعترافات المتتالية الزخمَ الدولى إلى حل الدولتين، والذى تبلور بوضوح فى مؤتمر حل الدولتين برئاسة السعودية وفرنسا فى نيويورك فى الأسبوع الماضى.

يبقى الآن أن تعودَ أمريكا إلى صوت العقل والضمير، كما عادت بريطانيا صاحبة الوعد المشؤوم، ليعودَ الهدوء والسلام الحقيقى والدائم إلى المنطقة.

نقلا عن جريدة الأهرام

التعليقات