تبدأ رواية يهود الإسكندرية لمصطفى نصر في عام 1862 في عهد الوالي سعيد والي مصر، وتستمر حتى عهد السادات وزيارة السادات للقدس، وخلال تلك الفترة تدور أحداث الرواية منتقلة مع الشخصيات اليهودية بالإسكندرية من سوق السمك إلى أن تستقر الأحداث في الطابية مقر اليهود. وطوال هذه الفترة الزمنية نعيش مع مجموعة من الشخصيات المتباينة في الأهواء والمصائر ونتابع أحداثًا متدفقة.
الوالي سعيد والي مصر أصيب آخر أيامه بمرض غريب، جعل جسمه متورمًا، تفوح منه الروائح الكريهة، جعلت تلك الرائحة كل من يقترب منه يهرب، حتى طبيبه الخاص والكتخدا – نائب الوالي في الحكم – أقرب الناس إليه. فهو لا يطيق رائحة نفسه، فما بالك بالآخرين؟!
حين طلب أطباء سعيد والي مصر جون اليهودي لم تكن الحاجة إليه لكفاءة تميزه، إنما جاءت الحاجة إليه لأنه يمتلك عيبًا خلقيًّا يفقده القدرة على الشم، وهذا العيب يجعله يستطيع أن يتقرب من سعيد ويدهنه بالمراهم ولا يشم روائحه الكريهة.
لم يستطع أحد مداواة الوالي سعيد، فقط جون اليهودي المصاب بعيب ما في أنفه يمنعه من الشم، جعله سببًا في مداواة الوالي سعيد، فاستطاع أن يعالجه عن طريق دهانات خاصة دهن بها جسد الوالي سعيد كله، فاستراح ونام نومًا عميقًا وتماثل للشفاء، أعطى الوالي سعيد اليهودي جون قطعة أرض كبيرة بجانب أبي قير.
جون، يتصرف بطريقة غير متزنة وغير مسؤولة، إلى جانب أنه غير قادر على معاشرة زوجته، حتى إنه يتقبل وجود ابن له – هارون - ليس من نسله وهو يعلم ذلك جيدًا.
اكتشف جون أنه غير قادر على معاشرة النساء. لم يكن يعلم هذا قبل زواجه من الهادية. كان يحبها بجنون وما زال. هو الآن يحمد الله لأنه لم يكتشف هذا قبلها. وإلا كان امتنع عن الزواج نهائيًّا، وحُرِم من الهادية، ومن هارون الذي يحبه كثيرًا. عندما أحس بأن الهادية حامل، أحس بالغضب يسخن رأسه، فكيف تخونه، أراد أن يسألها، هل حدث هذا قبل الزواج أم بعده؟ لكنه لم يفعل، يفكر في أعماقه أنه عاجز وأن زوجته أنجبت من شخص آخر لا يعرفه، يصل لحل يريح تفكيره ويجعله هادئًا راضيًا، وهو أن التفكير أصلًا لا طائل من ورائه فلماذا يتعب نفسه هكذا؟ إنه يعيش مع صورة عَنَان بن داود، يضعها على الحائط، يتحدث إليها وترد عليه. حقًّا كانت ترد عليه وتناقشه في كل الأمور، هو الذي نصحه بألا يسأل عن الذي فعل ما فعل مع الهادية زوجته، وهو الذي قال لــــه أن يحب هارون كأنه ابنه وأكثر. (لاسم هارون دلالته) وتتكشف أمامنا شخصية جون.
عندما علم اليهود بأمر قطعة الأرض الكبيرة الممنوحة لجون، تبدلت نظرتهم إليه من معاملته ككم مهمل إلى الاحترام والتبجيل، ونالت زوجته الهادية قسطًا كبيرًا من الأهمية.
تجمعت مجموعة من اليهود في هذه المنطقة، وعاشوا فيها حتى تكاثروا وازداد عددهم، وبدأت المكائد تحيط بجون من أجل الاستيلاء على الأرض، حتى قتلته زوجته عن طريق وضع السم له في الطعام، ومات جون وكان له أول قبر في منطقة الطابية، وسميت المنطقة بعد ذلك باسمه: جون.
ساعة إقامة الضريح خطب الحاخام حبقوق وبدأ إعلان مزاد لمن سيفتتح الضريح وستذهب أموال المزاد لإقامة مبان لفقراء اليهود في الإسكندرية كلها. انتهى المزاد بثلاثة آلاف جنيه مصري، دفعها يهودي من القاهرة، وقف الجميع في خشوع أمام قبر جون المغطى بقماش من الحرير أخضر اللون ومحاط بحديد متشابك.
جون العاجز جنسيًّا يتحول فجأة إلى قديس، لمجرد أنه قد امتلك قطعة الأرض التي منحها له الوالي سعيد، واليهود يعرفون جون جيدًا، ومع ذلك تم التواطؤ نفسيًّا على أن يصبح جون المقتول قديسًا وصاحب مقام يُزار من معظم اليهود في العالم، يأتيه الناس ليتبركوا بكراماته. يقام الاحتفال بمولد سيدي جون من 26 ديسمبر حتى 2 يناير.
إلى أن حدث انفجار رهيب في المنطقة بسبب منير الذي كانت لديه ورشة يقوم فيها بتصنيع البُمب والصواريخ كلعب الأطفال (إشارة للحصول على المال بطريقة سهلة – عن طريق بيع البُمب والصواريخ التي لا تعطي الناس سوى فرح مغشوش).
يتضح من خلال الأحداث أن الرئيس السادات في وقت من الأوقات قد زار الطابية واختبأ بها لأيام معدودة، وكان يطلب من منير صاحب مصنع البُمب والصواريخ صناعة أنواع معينة من المفرقعات لمهاجمة المحتل الإنجليزي. وعاشت جوهرة ابنة منير في عزبة جون، وقد شاهدت وهي طفلة السادات وهو يعطي والدها ساعة قديمة، وحين تذكرت جوهرة ذلك أرسلت للسادات خطابًا بعد أن شاهدت صوره وقد أصبح رئيسًا للجمهورية، جاء السادات إلى منطقة جون وأعطاها مبلغًا كبيرًا من المال كان سببًا مهمًّا في تحويل مسار شخصة جوهرة؛ بل وتحويل مسار يهود منطقة جون. وبدأت جوهرة تستغل زيارة السادات لها في منطقة جون؛ فقالت أثناء زيارة السادات للقدس إن زيارة الرئيس السادات لإسرائيل موجودة عندنا في التوراة، ودللت على ذلك بأن الرب يخاطب شعب إسرائيل في سفر أشعيا، فيقول لهم: "يأتيكم فرعون مصر يعرض عليكم السلام فاقبلوه، فإن ذلك يحوِّل السيوف إلى مناجل للحصاد، وحذار من أن تتحول المناجل إلى سيوف مرة أخرى، ففي ذلك نهايتكم. وتحاول بشتى الطرق أن تبني سورًا حول مقبرة جون، وتحيط بالسور جميع مقابر اليهود، فقد قررت مبدأها: (أريد مقاولًا، يبني سورًا حول المدافن ليحميها من هذه الهجمة). مما يجعل فكرة السور تؤسس للانعزالية والتقوقع. وفكرة الحماية من الهجمة المتوقعة.
وتتطور الأحداث حتى إن دوف وهو أحد الشخصيات اليهودية ذات المكانة الرفيعة، فهو ثري يعيش في القاهرة ويسعى دائمًا كي تستفيد الطائفة اليهودية في مصر حين يقول عامير له: لقد دعوت العديد من يهود أوروبا، قابلتهم في زيارتي الأخيرة هناك، وسوف يأتون خلال أيام قليلة. يرد دوف: لا بد أن يكون ضريح جون مزارًا عالميًّا ليهود العالم كافة.
الرواية تمتلئ بالأحداث المتلاحقة والمواقف الزاخرة بالحركة، والعامود الفقري في الرواية هو منطقة جون، أساس الحكاية، وهي محور الأحداث على الرغم من أن حكاية جون المقدس قائمة أساسًا على خدعة كبرى، عندما تحول جون بشخصيته المهترئة والضعيفة إلى صاحب مقام يلجأ إليه اليهود، وكأنهم يتعلقون عمومًا بوهم صنعوه هم بأنفسهم لأنفسهم، وصدقوه؛ بل صاروا يدافعون عنه كأنه مقدس حقيقي، مع العلم بأن حقيقته اختفت مع انفجار منطقة جون ونهاية كل الذين يعرفون جون.
التعليقات