30 سبتمبر 2000، في اليوم التالي لانتفاضة الأقصى الفلسطينية، ووسط احتجاجات واسعة في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، التقطت عدسة "طلال حسن أبو رحمة" مراسل قناة فرانس 2 مشهد خلده العالم حتى اليوم، استشهاد الطفل محمد الدرة، والذي أصبح واحد من أهم الأيقونات الفلسطينية.
ففي مشهد مهيب يحتمي فيه الطفل بأبيه خلف احد البراميل الاسمنتية، وسط تبادل محتدم لأطلاق النيران بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية، يلوح الأب لوقف إطلاق النيران وينتحب الطفل رعبًا مما يجري حوله، ليخرج من وسط ذلك وبعد مرور 59 ثانية، المشهد الذي عصر قلوب العرب جميعًا حينها، يتجلى الغبار وتتوقف النيران لنرى الطفل ملقى قتيلًا بين يدي والده جمال الدرة.
ليصيب الهلع مصور المشهد الأليم الخالد، فيصرخ "يا إلهي قتل الصبي.. قتل الصبي!".
وبعد تشييع الجثمان في جنازة شعبية، مجد فيها العالم العربي الطفل محمد الدرة باعتباره شهيدً، اعلنت قوات الأمن الإسرائيلية مسؤوليتها عما حدث، كما أبدت أسفها لمقتل الصبي، ولكنها تراجعت عن ذلك، عندما أشارت التحريات إلى أن الجيش الإسرائيلي ربما لم يطلق النيران على الدرة، وعلى الأرجح أن الفتى قتل برصاص القوات الفلسطينية.
وكان أبو رحمة المصور الوحيد الذي سجل الحادث. أقسم في شهادة خطية في 3 أكتوبر 2000، أنه قد صور سبع وعشرين دقيقة من الحادث الذي قال إنه استمر خمس وعشرين دقيقة. وتركزت حوالي أربع وستون ثانية من اللقطات على جمال الدرة وابنه ومحمد. وتم تحرير الشريط للبث لتصل مدته إلى تسع وخمسين ثانية تعرض مشهد الدرة، ثم أضاف إندرلان تعليقًا صوتيًا.
وذكر أبو رحمة أن محمدًا ظل ينزف لمدة 17 دقيقة على الأقل قبل أن تصل سيارة الإسعاف وتحمله، رغم عدم رفع أي فيلم لهذا المشهد.
وفي تصريحات سابقة لجمال الدرة روى عن يوم استشهاد ابنه قال "يوم الاستشهاد 30/9/2000، توجهت انا ومحمد إلى سوق السيارات، وكان يحلم بشراء سيارة كبيرة، فتوجهت مع محمد إلى السوق، ولكن لم أوفق بشراء السيارة".
وأضاف: "أثناء عودتنا إلى مخيم البريج، فعند وصولنا إلى مفترق الشهداء الذي كان يطلق عليه مفترق (نيتساريم)، وجدناه مغلقًا، فسلكنا طريقًا التفافيًا، وعند وصولنا إلى النقطة الذي استشهد فيها محمد، بدأ جنود الاحتلال بإطلاق النار علينا بشكل متعمد، فلم استطع الهرب، فلجأت إلى مكان لأحتمي به انا ومحمد، حيث كان الرصاص يطلق علينا بشكل غزير جداً".
وتابع بقوله: "محمد أصيب قبلي برصاصة في ركبته، أما انا فلم أُغيب، وانما حاولت بكل ما استطيع أن أحميه سواء بجسمي أو بيدي، وعند إصابته قال لي: أصابوني الكلاب، وكررها ثلاث مرات"، فلم افهم معنى التكرار".
وتابع "قلت له لا تخف يا محمد، فاتصلت على الصحفيين كي يرسلوا لي سيارة إسعاف، وقال لي: انت ما تخاف يابا، فقد كان لديه قوة تحمل خارقة، وبعد ذلك فارق الحياة".
أفادت الأنباء أن محمدًا قد أصيب بعدّة أعيرة نارية، وذكرت مجلة تايم أنه أصيب بجرح قاتل في البطن، وأكد على ذلك الطبيب الشرعي عبد الرازق المصري، الذي ذكر خروج أحشاء الصبي وعرضت صور تشريح الطبيب الشرعي للصبي على القناة الفرنسية 2 في عام 2008، وأظهرت هذه الصور الإصابات الموجودة في البطن وخلال جنازة شعبية اهتزت لها القلوب في مخيم البريج للاجئين في ذلك اليوم، كُفّن الصبي بالعلم الفلسطيني ودُفن قبل غروب الشمس، وفقًا للسنة الإسلامية.
وعلى صعيد آخر، أفيد بأن جمال قد ضُرب بعدة أعيرة نارية، وأخرج بعضها من الذراع ومن منطقة الحوض. وقال الدكتور أحمد غديل من مستشفى الشفاء إن جمال قد أصيب بجروحٍ متعددة وبالغة الخطورة نتيجة الإصابة برصاصات عالية السرعة في ذراعه الأيمن وفخذه اليمنى، وفي عدة مناطق من الجزء السفلي للساقين؛ كما قطع أيضًا شريانه الفخذي.
وقد حازت لقطة الصبي ووالده على ما أطلق عليه أحد الكتاب "قوة راية المعركة"، وقد قام الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش برثاء الطفل محمد الدرة في قصيدة طويلة بعنوان «محمد» قال في موضع منها: "يعشعش في حضن والده طائرًا خائفًا.. من جحيم السماء، احمنى يا ربى.. من الطيران إلى فوق! إن جناحي صغيرعلى الريح.. والضوء أسود.. محمد يريد الرجوع إلى البيت، من دون دراجة.. أو قميص جديد.. يريد الذهاب إلى المقعد المدرسي إلى دفتر الصرف والنحو، خذني.. إلى بيتنا يا أبي.. كي أعد دروسي.. وأكمل عمري رويدًا رويدًا.. على شاطئ البحر، تحت النخيل.."
التعليقات