سلطت صحيفة "Achterhoek" الهولندية، الضوء على حياة المصرية عزة منير التي تعمل في المجال التطوعي في هولندا منذ 15 عاما.
وتحدثت عزة عن حياتها في هولندا حيث بدأت تقول: لو كانت الغربة لحناً لكانت أكثر الألحان شجناً، ومقطوعة يعزفها القلب وحده، كل قطعة منها جزء من شعوره وضجة من نبضه، وغصة من مرارته، لذا المهاجرين القدامى ومنهم عزة منير أكثر من يعرف ما يتطلبه الأمر للعيش في طيات الثقافة الهولندية، وترجو أن يقدر عملها كوسيط ثقافي من قبل الدولة.
تقول عزة القاطنة منذ 26 عامًا في هولندا، إن الغربة فكرة معقدة التركيب متعددة المراحل.
عزة منير
هاجرت عزة من مصر إلى هولندا وكان ذلك بمثابة إنها انتقلت إلى عالم أخر من حيث التقاليد واللغة، تقول عزة "لا يتحدثون لغتي ولا يرتدون ملابسي ولاينظرون إلي كما ينظر بعضهم للآخر فتفتح برعم الغربة داخلي من اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماي أرض هولندا وأصبح لي كنية ملتصقة باسمي (مغتربة).
سكنت أولاً في أمستردام ومن ثم في أوترخت وكاناتا أشبه بالقاهرة أوالزقازيق من حيث الضجة والحياة وكنت لست مضطرة لتعليم اللغة الهولندية ففي المدن الكبيرة يقطن كثير من السياح والمغتربيين أشباهي، لذا كان التعايش في المجتمع أمر يحتمل إلا حدٍ ما، لكن عندما إرتحلت لـ"أولفت" حينها بدأت غربتي الحقيقية لقد وطأت قرية تقع في الركن النائي من هولندا على حدود ألمانيا ليس بها سوي الهولنديين والأتراك وكلاهما لا أجيد لغته، وقلما أجد فيهم من يتحدث الإنجليزية.
كرهت احساسي بالغربة بين البشر كرهت احساس الإنغلاق والوحدة رغم وجود الناس حولي لذا قررت تعليم اللغة وبالفعل قدمت في مدرسة ال خرافسخاب حينها لم يكن يوجد دروس على الإنترنت أو حتى حاسوب أو قاموس هولندي عربي لقد تعلمت من الشارع الهولندي كنت أحضر الدرس في المدرسة وأطبقه في الشارع مثلا درس عن الخضروات كنت أذهب إلى السوق بكتابي حتى أسترق منه بعض الجمل، أيضاً كنت أشاهد برامج الأطفال باللغة الهولندية مع ابنتي وأحضر نشرة أخبار الأطفال لأن جملها بسيطة وسهلة وغير ذلك لم تكن هناك أي قناة تلفزيونية عربية متاحة فغربتي كانت كاملة المعني.
أردفت عزة من الأشياء الفريدة هو الدرس الذي أخذناه عن البنوك يومها صممت أن أفتح حساب للبنك بنفسي دون أن أستعين بكلمة إنجليزية فذهبت أيضاً بكتابي مدون فيه بعض الجمل وفتحت حساب بنكي بنفسي كنوع من التحدى الشخصي وحتى الآن أستعمل نفس الحساب كنوع من الإعتزاز ، وبهذه الطريقة تعلمت اللغة في وقت وجيز ونجحت بتفوق الحمد لله بعدها طلبت مني مدرستي أن أعاونها في المدرسة وأن أعطي دروساً للمبدئين فحينها بدأ يتوافد على الركن النائي جنسيات مختلفة وكأني فتحت لهم الباب.
كنت أكره شعور الغربة والإختلاف لذا ألقيت نفسي في المجتمع كنت أبحث عن الألفة اشتركت في النشاطات المختلفة في بيت الحي وتطوعت بالمساعدة في مدرسة أولادي الإبتدائية ثم التحقت بعدة كورسات من سياسة المغتربين وكورسات تربية.
ابتسمت وقالت: من المضحك أو أحدهم كان اسمه كيف تكون أباً مثالياً والأخر كيف تكوني أماً مثالية لقد التحقت بكليهما، وبين كورس وأخر اندمجت أكثر في المجتمع لدرجة أني أستدعيت من قبل بيت الحي والبلدية ومنظمة الصحة (خي خي نت) لإلقاء بعض المحاضرات مرات عن الإسلام مرات عن الثقافة العربية وأخرى عن المناسابات الدينية وبالتأكيد عن مكانة المرأة في الإسلام والمجتمع العربي .. إلى أخره.
ومنذ ست سنوات أعمل كمترجمة أما مساعد مدرس لغة فذلك منذ سبعة عشر عاما تقريباً، ساهمت أيضاً منذ أربع سنوات في المدرسة الصيفية للقادمين الجدد.
ظللت هكذا إلى أن وصلت إلى كورس الوسيط الثقافي، لقد حضرت الدورتين كاملتين وتطورت في عملي كثيراً، بسبب تلك الدورات لكن حتى الآن لم تعترف الدولة بنوعية هذا التخصص أنه عمل مأجور، ولكنه تطوعي على الرغم من أهمية ذلك العمل لمؤسسات كثيرة داخل الدولة فهذا النوع من العمل لا يقتصر على الترجمة بل ايضاح الأمور بين الطرفين أيضا فأنا أنقل الصورة كما هي في الشرق وأنقل للاجئين الجدد أو المهاجرين الجدد الوضع في هولندا فأنا وزملائي نبني جسور بين الثقافات مما يساعد في فض كثير من سوء التفاهم بل والإشتباكات.
طلبت منها أن تعطي مثالاً للإيضاح:
فواصلت استُدعيت يوماً من قبل أحد رؤساء المصانع على أثر شكوي قدمت في مكتب اللاجئين، أن أحد القادمين الجدد متهاون وغير جدي في عمله دائما يأتي متأخراً لم يأتي في موعده مرة واحدة ، والقادم الجديد قام بدوره وقدم شكوى في صاحب العمل أنه يتعامل معه بعنصرية، ذهبت على الموعد واستمعت للطرفين وقمت بترجمة الحوار لكل منهما ثم توجهت لصاحب العمل سيدي، إن الأمور في الشرق تسير غير ذلك موعد عملنا في الثامنة صباحاً على سبيل المثال يمنح أصحاب المؤسسات الحكومية وغيرها بعض الدقائق الزائدة لكن إذا تطور الأمر إلى ربع ساعة مثلا وقتها يحسب ذلك تأخيراً وحيث سمعت وقرأت في شكواك أنه يأتي بعد الموعد بخمس دقائق أو ثلاث دقائق لم يتعدى حتى العشر دقائق أنا أرى أنه غير مستهتر لكنه فقط يجهل قوانين العمل في هولندا.
ثم استدرت للقادم الجديد سيدي نحن هنا في الغرب فرئيسك ليس عنصري لكن هنا عملك في التاسعة معناها أنه لابد أن تكون في عملك في التاسعة إلا عشر دقائق تصل لمكان عملك بالداخل تقف أمام ماكينتك وتبدأ العمل في التاسعة تماما لكن عندما تأتي متأخراً أو حتى في التاسعة تماما يستغرق وصولك لداخل المصنع وتجهيز ماكينتك للعمل بضع دقائق وهذا معناه أنك بدأت بعد مواعيد العمل.
ومن ثم وضحت الرؤية للطرفين وقضي الأمر ولو بدأت في سرد الأمثلة لن أنتهي وكم مرة فضضنا أنا وزملائي عن اشتباكات وأوضحنا سؤ فهم، ولن أنتهي فالأمور تتوقف على سوء الفهم وجهل أحدهم بثقافة الأخر فالطبيعي هنا ليس بطبيعي هناك وما يدل على الإحترام هنا ليس بالضرورة أن يدل على الإحترام هناك كسلام الرجل للمرأة والعكس على سبيل المثال.
أردفت: أرى أنه مانقوم به نحن وزملائي يستحق تقدير الدولة الإيجابي حيث أن ينتقل عملنا من فئة العمل التطوعي إلى العمل المأجور وخاصة وقد ربح عملنا كوسائط ثقافية جائزة الدولة التقديرية كأحسن عمل انساني في نوفمبر الماضي.
لقد بذلنا جهداً كبيراً في انتشار فكرة هذا العمل ومدى أهميته للدولة وللقادمين الجدد على حد سواء بمساعدة رينسكا فاردن بورخ التي تختص بأعمال المغتربين في البلدية لقد نظمت رينسكا عدد من الإجتماعات واللقاءات ودعت فيها بعض الموظفين من البلديات المختلفة وذلك للتشاور في مدى أهميتة عملنا كوساطاء ثقافية وكم ساعدنا في التواصل الإيجابي بين الأطراف.
ولكن إلى الآن لم نحصل على نتائج تبشر بتغير الوضع إن العمل التطوعي له من التقدير والمكانة التي أحترمهما ولكنه من الناحية الأخرى يمثل عائق أمام أصحاب الخبرات في أن يجدوا عملاً ذا أجر .
التعليقات