الحزن، ألم نفسي ناتج عن الشعور بالبؤس والعجز، وهو ما يعادل الهم والكأبة. وفي المعجم الحزن ما هو عكس الفرح والسرور.
صنفه أهم علماء النفس ومن أشهرهم عالم النفس الأمريكي دكتور (بول ايكمان) بأنه أحد المشاعر الستة الأساسية لدى الانسان.
وهو من المشاعر السلبية التي تضعف الانسان قلبا وقالبا. فهو ينتج حالة من الخواء النفسي إذا طالت مدتها تحولت الى مرض نفسي يدعى الاكتئاب. كما ثبت علميا انه يسبب بعض الامراض العضوية أيضا منها اضطرابات النوم، مشاكل بالجهاز الهضمي، ضغط الدم وأمراض القلب.
ألفت الطبيبة الأمريكية السويسرية الشهيرة (اليزابيث كوبلر روس) كتابا كان من أكثر الكتب مبيعا دوليا والذي اعتبرت بعده من أكثر مئة شخصية مفكرة حول العالم، يقدم الكتاب دراسة عن الموت والاقتراب منه. قسمت فيه مراحل الحزن الى خمس مراحل وسمى ذلك ب (نموذج كوبلر روس):
مرحلة الإِنكار: وهو مجرد دفاع مؤقت للفرد للتغلب على شعوره بالحزن الشديد. تنتهي هذه المرحلة بادراك الواقع فينتقل الشخص للمرحلة الثانية.
الغضب: «لِمَ أنا؟ هذا ليس عدلًا»، «كيف يحدث هذا لي؟»، «من المَلُومُ على ذلك؟»، فتتكون لدى الشخص ثورة على ما حدث يكون من الصعب وقتها السيطرة عليه.
المساومة: محاولة عدم الاستسلام للحزن ليس من أجل النفس وانما بحجة من يحتاجون الينا ممن حولنا.
الاكتئاب: عندما تطول فترة الحزن تبدأ مرحلة الاكتئاب وفقدان الأمل وفيها يصبح المرء أكثر صمتاً وانعزالا ويمضي الكثير من الوقت في البكاء. تسمح هذا المرحلة للفرد بقطع نفسه عن الأشياء المحبوبة له وعن الأشخاص حتى المفضلين لديه. وهي مرحلة مرضية يجب فيها استشارة طبيب متخصص.
التقبل: «ما حدث حدث ويجب أن أكمل الطريق»، «لا فائدة من المقاومة، من الأفضل أن استعد لما سيأتي»: تمد المرحلة الأخيرة الفرد بشعور من السلام والتفهم لما حدث. في هذه المرحلة تنعدم مشاعر الألم لدى الشخص.
نستنتج من هذا ان الحزن والاستسلام له يعد خطوة من خطوات الموت. يقول ابن القيم الجوزية: الحزن يُضعف القلب، ويُوهن العزم، ويضرّ الإرادة، ولا شيء أحبّ إلى الشيطان من حزن المؤمن. وهذا ما حذرنا منه الله عز وجل في كتابه الكريم: {إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. المجادلة - 10.
وقال ابن القيم أيضا: «ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيًّا عنه، أو منفيًّا، فالمنهي عنه كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [آل عمران: 139]، وقوله: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ [النحل: 127]، وقوله: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40]، والمنفي كقوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 38].
هل معنى هذا ان الله عز وجل لا يتفهم طبيعتنا البشرية ومشاعرنا عند الفقد؟! على العكس فالخالق يعلم ويقدر ويعفو، ولكنه ينهى عن التمادي في هذا الشعور والاستسلام له. الحزن ابتلاء فقد حدثنا القران عن حزن سيدنا يعقوب على ابنه يوسف بقوله تعالى: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [يوسف: 84]. لكن المسألة كيف تتقبل هذا الابتلاء! هل بمشاعر الغضب والرفض وعدم القبول! وهذا ما نهينا عنه وبشرنا بعكسه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ما يُصيب المسلم من نَصب، ولا وصَب، ولا هَمِّ، ولا حَزن، ولا أَذى، ولا غَمِّ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه».
ومن رحمته تعالى أن أوجد الحل لكل حزن فمن استسلم لقضاء الله ورضى بحكمه واستمر في الإحسان فإن الله سيذهب الحزن عن قلبه: {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. البقرة – 112.
اذن هو الاستسلام لقضاء الله وقدره وليس الاستسلام للحزن.
الحزن، مارد عتي جبار، اما ان تقف أمامه موقرا مبجلا لجلاله وهيبته راضيا مستبشرا بأنه سيمر، واما ان تسقط أمامه جبانا هشا فيسحق بعضك البعض.
التعليقات