الخطاب الإسلامى المنشود «1»

الخطاب الإسلامى المنشود «1»

د. محمد يونس

يحتاج الخطاب الإسلامى المنشود إلى إعادة الاعتبار لقدرات الأمة وكفاءاتها عبر آلية جديدة للاجتهاد، ورؤية واسعة الأفق تضع قضية تجديد الخطاب الدينى فى موضعها الصحيح لتكون ضمن عملية «تجديد الأمة» بحيث تتجه أكثر إلى الجانب البنائى وتستوعب مقتضيات الزمان وخصوصيات المكان وتكون على وعى بذبذبات النسيج الشبكى للواقع الاجتماعى الراهن عبر مستوياته الوطنية والإقليمية والعالمية. وتحدد أولويات للتجديد. تناولنا فى مقالات سابقة مفهوم التجديد واتجاهاته واستعرضنا ملامح الخطاب الإسلامى السائد من منظور نقدى، ونطرح اليوم رؤى لتجديد هذا الخطاب المنشود وأولوياته، تحتاج إلى مناقشة موسعة وعميقة، ونقترح فى هذا السياق التركيز على نقاط رئيسية لهذا التجديد، من أبرزها:

أولا: نبذ العنف بكل أشكاله، وتأكيد قيمة الحوار وترسيخ أدب الاختلاف فى الرأى، والتمسك بالطرق السلمية فى التغير، والتحول من فكرة «تفجير الجسد» إلى «تفجير طاقات العقل»، واعتماد الحوار باعتباره منهج حياة. وللخطاب الإسلامى الجديد الذى ندعو إليه فرصة تاريخية فى ترسيخ هذه القيم والمبادئ، وتعرية الصورة الذهنية المشوهة التى تقرن الإسلام بالعنف، بعد أن دأبت الكثير من وسائل الإعلام الدولية على تثبيتها لدى الرأى العام العالمي. وهى حيلة قديمة نبعت منذ عهد الاستعمار الذى كان يصف حركات التحرر الوطنى فى المجتمعات الإسلامية بالتعصب الدينى أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، ثم تحول هذا الوصف إلى «الإرهاب» أواخر القرن العشرين متزامنا مع مقاومة الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية خاصة خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية. وأخذ منحى ممنهجا بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 وسبقه تنظيرات فلسفية حول صدام الحضارات، ثم حملات عسكرية استباقية لمقاومة ما سمى بـ«الإرهاب الإسلامى» دون أى توصيف أو تعريف علمى لمفهوم الإرهاب، مع التغافل عن التفريق بينه وبين المقاومة المشروعة للاحتلال.

ثانيا: تقديم أطروحات أساسية متفق عليها تعوض النقص والاختلال الذى شهده الفكر والفقه الإسلامى خلال عهود التراجع الحضارى والذى أسفر عن تضخم فى مجال العبادات ونتج عنه خطاب جزئى ركز على الشكليات، وأغفل العديد من القضايا الجوهرية فى حياة الناس خاصة كرامة الإنسان وحقوقه وحريته، حتى أطلق عليه البعض ساخرا: «فقه الحيض والنفاس» .وفى هذا الصدد نقترح أن يتبنى الخطاب الإسلامى الجديد عددا من الأطروحات تنطلق من القيم والمبادئ التى تضمنتها وثيقة الازهر الشريف الذى يعتبر أكبر وأعرق مؤسسة دينية فى العالم تتبنى الفكر الإسلامى الوسطى المعتدل خاصة وأن هذه الوثيقة، قد حظيت بمناقشة نخبة من المثقفين المصريين من مختلف الطوائف والمدارس الفكرية. ونقتبس منها:

◙ دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التى تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة، ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب؛ حيث لم يعرف الإسلام لا فى تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف بالدولة الدينية الكهنوتية التى تسلطت على الناس، وعانت منها البشرية فى بعض مراحل التاريخ، بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية فى قضايا الأحوال الشخصية.

◙ الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية فى الفكر والرأى، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسئولية فى المجتمع. وفى هذا الإطار فإن تجديد الخطاب الإسلامى على النحو المنشود يتطلب وقفة مفصلية من حيث الاهتمام بترسيخ القيم والمقاصد الإسلامية الكبرى وفى مقدمتها قيم الكرامة والعدل والحرية والتسامح والسلام.

ثالثا: ترسيخ قيمة المواطنة والوحدة الوطنية وحب الوطن والدفاع عنه، وتأكيد العزة الوطنية واحترام كرامة المواطنين والمساواة بينهم بغض النظر عن الدين أو العرق. وتحديد العلاقة بين مفهوم الوطن ومفهوم الأمة أو بين الدائرة الوطنية والدائرة الإسلامية. وتأكيد «الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية، واحترام جميع مظاهر العبادة والتوعية بخطورة الفتن الطائفية والمذهبية والتحذير منها.

التعليقات