لا يمكن تحقيق الفوز ، إذا لم تتحدد الأهداف. سأعطيكم مثالا؛ تخيلوا أننا في مباراة لكرة القدم، ولن ليس هناك مرمى، من المستحيل تسجيل الأهداف مهما كانت جودة اللاعبين، وستصبح الحركة صنوا للفوضى.
من هنا يكمن التغيير المأمول في تحديد الأهداف، والتخطيط للوصول إلى النجاح باحرازها. السؤال هو: من يحدد هذه الأهداف؟
نتفق بداية على أهمية الحفاظ على التراث الثقافي واللغة والتعليم والهوية، ودمج معانٍ إنسانية جديدة في الوعي الجمعي، وهي أهداف تكاد تكون مطمحا للمجتمعات الإنسانية برمتها، ليست فقط بحكم تضمينها في الدساتير الدولية والإقليمية، والمناداة بها في الأديان السماوية والأرضية، وإنما لأنها تستجيب للقيم التي خلقت من أجلها البشرية: التعاون على الخير، والعيش في سلام، والحلم بمستقبل أفضل.
لذلك أعتقد أن دورا كبيرا يقع على عاتق الجميع، بمن فيهم الصحافيين، بأن يكونوا ما يمكن أن نسميه (مراسلون صحافيون من المستقبل)؛ هؤلاء الذين يبشرون بالمستقبل المأمول عبر الكلمة والصورة، ليكون العلم سندا لا قوة غاشمة، وتكون العلاقات داعمة لا جسرا للمؤامرات، وأن تكون الترجمة أداة فاعلة لتداول الأفكار كما تتبادل الأغصان العصافير لتغني لحنا متعدد الأصوات، يبرز جماليات الفضاء الإنساني.
إن مهمة هؤلاء "المراسلين الصحافيين من المستقبل" لا تقتصر على نقل الخبر أو تسجيل الحدث كما هو، بل تتجاوز ذلك لتصبح رؤية استشرافية، مهمتها ربط الحاضر بالآتي، وتحويل الإعلام من مرآة تعكس الواقع فقط إلى بوصلة تهدي نحو الغد. فهم مدعوون إلى ممارسة الصحافة كفعل مسؤول يوازن بين الأمانة في التوثيق، والقدرة على الإلهام، فيتحدثون عن الأزمات بوصفها فرصًا للتغيير، ويكشفون عن الجراح لا لزيادة الألم، بل لتقديم وصفات الشفاء.
إنهم حماة القيم التي ترفع من شأن الإنسان، وصنّاع لغة جديدة للخطاب الإعلامي، قوامها المعرفة بدلاً من التضليل، الحوار بدلاً من الصراع، والتكامل بدلاً من الانقسام. ومثلما يخطط المهندس لمدينة جديدة، أو يبتكر العالم لقاحًا يقي من المرض، فإن المراسل الصحافي من المستقبل يبني جسور الثقة بين الثقافات والشعوب، ويرسم بالكلمة والصورة لوحة إنسانية عنوانها: الحياة المشتركة في عالم واحد.
هؤلاء المراسلون لا يكتفون بمراقبة الزمن، بل يشاركون في صناعته، ويؤدون دور "الذاكرة الحية" التي تحفظ تراث الماضي، و"الحلم الواعي" الذي يضيء أفق المستقبل.
التعليقات