"ديزيرتو" Desierto أو "الصحراء"، عمل شعري للشاعرة الإسبانية ڤيرجينيا فرنانديز كولادو، هو يوميات شعرية مؤثرة وعميقة تكشف ببراعة عن مرونة الروح الإنسانية وهشاشتها خلال فترة عزلة غير مسبوقة. كُتبت هذه المجموعة الشعرية على مدى خمسة عشر شهرًا، من 25 أكتوبر 2019 إلى 23 يناير 2021، وتضم اثنين وستين قصيدة تعكس أفكار الشاعرة وملاحظاتها الحميمة في ظل جائحة كوفيد-19 وما ترتب عليها من عزل اجتماعي. يتجاوز هذا العمل حدود الشعر التقليدي، ليمنحنا نظرة فريدة عن تداخل التجربة الشخصية مع الطبيعة والتحديات العالمية.
تبدأ المجموعة في عالم لم يمسّه الوباء بعد، لكنها تنتقل بنا تدريجيًا إلى الأشهر التي طغى عليها العزل والاضطراب. قرار فرنانديز كولادو بالعودة إلى مسقط رأسها الريفي - في الأيام الأولى من الجائحة- يضيف طبقة مميزة إلى السرد، حيث تصبح الطبيعة ملاذًا ومصدر إلهام معًا. هذا الإطار يضفي على القصائد إحساسًا ملموسًا بالسكينة، رغم تناولها لمواضيع الشوق وعدم اليقين والتجدد.
تستخدم فرنانديز كولادو السرد بضمير المتكلم لتأخذ قارئها إلى عالمها الداخلي، حيث تخلق حوارًا حيويًا بينها وبين الطبيعة وحضور الأحباء الغائبين. استخدام التواريخ كعناوين لكل قصيدة يعزز بنية اليوميات، مما يضفي على العمل أصالة وفورية. هذا التوجه الزمني يسمح للقارئ بمرافقة الشاعرة في رحلتها، ليعيش مشاعرها وتأملاتها لحظة بلحظة. غياب العناوين التقليدية هو خيار متعمد، يبرز الطبيعة العفوية وغير المصقولة للعملية الإبداعية. تبدو كل قصيدة كأنها لقطة خاطفة للحظة زائلة، يتم التقاطها كما هي، مثل أوراق الخريف التي تصفها الشاعرة وهي تتساقط برشاقة وحتمية.
من القصائد:
السبت، 26 أكتوبر 2019
كل شيء يمر ببطء
مثل صفوف النمل،
مثل ندف الثلج المتساقطة.
السبت، 2 نوفمبر 2019
في هدوء الليل
هناك أيضًا عواصف.
لأنه من الضروري
أن نترك الصحراء تتحدث،
بامتدادها اللامتناهي،
وبزهورها البيضاء.
من الضروري أن نبقى صامتين،
ونقدّر ما يقوله لنا الصمت.
ليأتي السلام أخيرًا،
وتغلق الأجفان بنهاية المطاف.
ما يميز مجموعة قصائد "ديزيرتو" هو قدرتها المدهشة على تحقيق توازن بين الاستبطان الشخصي والمواضيع الكونية. النبرة الحميمة تدعو القارئ للتواصل مع تجربة الشاعرة، بينما تعكس في الوقت ذاته رحلتهم الشخصية عبر العزلة والتغيير. لغة فرنانديز كولادو شاعرية لكنها في متناول الجميع، حيث تمزج بين الصور الحية والعمق العاطفي الكبير. كثيرًا ما تتناول القصائد التناقض بين السكون والحركة، مما يعكس هدوء العزلة الخارجي واضطراب الروح الداخلي.
السبت، 26 أكتوبر 2019
أحب طقس الخريف،
السقوط البطيء للأوراق.
والدموع التي تدخل الشتاء.
كمجموعة وُلدت من رحم أكثر الفترات تحديًا في التاريخ الحديث، تلتقط "ديزيرتو" جوهر الصمود والتكيف. إنها شهادة على قوة الشعر كوسيلة للتعبير والشفاء، تقدم عزاءً ورؤى لأولئك الذين يقرؤونها. لكل من يبحث عن عمل يجمع بين الجمال الشاعري والعمق العاطفي العميق، فإن "ديزيرتو" قراءة لا بد منها. تدعو فيرجينيا فرنانديز كولادو القارئ من خلال قصائدها إلى اكتشاف الجمال في أبسط اللحظات، والتأمل في الصمت والتجدد حتى في أصعب الظروف.
التعليقات