شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مساء أمس ، الحفل الرسمي لإدراج "الفاية" على قائمة التراث العالمي لليونسكو.
وكان في استقبال سموه كل من: سمو الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة، وسمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي ، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي سفيرة موقع الفاية للتراث العالمي، والشيخ ماجد بن سعود بن راشد المعلا رئيس دائرة السياحة والآثار بأم القيوين، والشيخ خالد بن عصام القاسمي رئيس دائرة الطيران المدني، والشيخ ماجد بن سلطان القاسمي رئيس دائرة شؤون الضواحي، والشيخ سلطان بن عبدالله بن سالم القاسمي مدير دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية، والشيخ سالم بن محمد بن سالم القاسمي مدير هيئة الإنماء التجاري والسياحي، وعدد من كبار المسؤولين وممثلي المؤسسات والمنظمات الثقافية والدبلوماسيين.
وأكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي خلال كلمة ألقاها في الحفل على استثنائية هذا الموقع الذي لا يختزن في صخوره طبقات الزمن فحسب، بل يحمل حكايات عن أول حضور للإنسان في هذه الأرض.
وقال سموه " نقف هنا أمام صفحات حيّة من كتاب الإنسان، كتاب يُخبرنا عن الإنسان كيف عاش، وكيف واجه بيئته، وكيف حوّل التحديات إلى معرفة وصبر وبناء وحكمة، وكيف جعل من الخبرة أسلوبًا لحياته، وكيف صنع من التجربة وعياً يتراكم جيلاً بعد جيل ".
وتناول صاحب السمو حاكم الشارقة قيمة المواقع التاريخية، قائلاً : " لعل من بداهة القول: إن القيمة الحقيقية للمواقع التاريخية ليست قيمة مادية، بل قيمة ثقافية وإنسانية بالأساس، قيمة تمنح الإنسان القدرة على فهم مساره الطويل فوق هذه الأرض، وتربط الحاضر بجذوره الأولى، حتى لا يصبح المستقبل منفصلاً عن ذاكرته أو جذوره، فكل موقع تراثي هو مدرسة مفتوحة للأجيال ".
وأضاف سموه " حين نمنح هذه المواقع ما تستحقه من دراسة وحماية، فإننا لا نحفظ حجرًا ولا أثرًا فحسب، بل نحفظ علمًا متراكمًا، وخبرة إنسانية ممتدة، ونُعين الأجيال على بناء فهم أعمق لهويتها، ولدورها في الحاضر والمستقبل، ولأن ما نحافظ عليه اليوم، يحمي هويتنا غدًا".
وتحدث صاحب السمو حاكم الشارقة عن جهود إمارة الشارقة في دعم المشاريع الثقافية، قائلاً " من هنا، يحتل التراث موقعاً مركزياً في المشروع الثقافي لإمارة الشارقة، لأن التراث يمنح الثقافة جذورها التي تستند إليها، وكذلك يضعها في السياق الذي تتشكل من خلاله الصورة المتكاملة للإنسان والمجتمعات في هذه المنطقة، يكشف البحث التاريخي في الفاية تاريخ الإنسان، وهو يتعلم معنى الجماعة، ويؤسس للتعاون، ويُنظّم العمل، ويقسم الموارد، وهذه المقومات كلها تُشكّل الركائز الأساسية للبنية الاجتماعية التي امتد أثرها إلى العصور اللاحقة".
وتطرق سموه إلى جهود الباحثين العاملين على أعمال التنقيب، قائلاً :" من بين ما تكشفه الفاية، خطة فارقة غيرت فهم العالم لمسيرة الإنسان، فعندما بدأت أعمال التنقيب الحديثة، لم يكن الباحثون يتوقعون أن الفاية ستكسر واحدة من أقدم المسلّمات العلمية حول هجرة الإنسان، لكن الأرض قالت كلمتها، والأرض لا تكذب، حين تنطق بالعلم، فقد ظهرت أدوات حجرية دقيقة الصنع، وبعد تحليلها تبين أن عُمرها يتجاوز مئتي ألف عام، في تلك اللحظة أدرك العلماء أنهم يقفون أمام شهادة تاريخية تقول: إن الإنسان الحديث كان هنا، على هذه الأرض، قبل زمن أبعد بكثير مما كان يُعتقد ".
وأضاف صاحب السمو حاكم الشارقة " لقد قدمت الفاية خريطة جديدة وموثقة للهجرة البشرية ومساراتها، وأثبتت أن الجزيرة العربية لم تكن ممر عبور، بل موطناً مبكراً في رحلة الإنسان من إفريقيا إلى العالم، ومسكناً للاستقرار والعيش، وهكذا لا تعود الفاية موقعاً محلياً في ذاكرة المكان، بل محطة مركزية في ذاكرة الإنسانية جمعاء، ومن هذا المكان، فإننا لا ننظر إلى إدراج الفاية على قائمة اليونسكو للتراث العالمي بوصفه إقراراً بتاريخ هذه المنطقة، فالتاريخ يُقرّ ذاته بذاته، وليس لنا فيه فضل، وإن كان له علينا الكثير من الواجبات، وفي مُقدّمتها الوفاء والصون، وننظر إلى هذا الإدراج بوصفه هدية جديدة تقدمها هذه المنطقة للبشرية، كما قدّمت عبر تاريخها لها أوّل الزراعة، وأول التجارة، وأول شبكات الطرق، وأولى النُظم الإدارية، وأبكر الهياكل المدنية والاجتماعية، بهذا الإدراج، أصبحت البشرية تمتلك نافذة جديدة تُطل منها على ماضي هذه المنطقة، لتتعلم وتسترشد بتجارب من سبقونا ".
وتناول سموه البعد الإنساني للفاية، قائلاً :" من خلال قراءة هذه الشواهد، تتضح حقيقة أن المعرفة ليست ماضية فقط، بل هي معرفة صالحة لكل العصور، لأن الإنسان، رغم تحولات الزمن، ما زال يواجه التحديات الكبرى نفسها في السعي إلى التكيف واستدامة الموارد وحُسن إدارتها، في البعد الإنساني للفاية، نقرأ حقيقة جوهرية، أن الحضارات لا تنمو في العزلة، بل تتشكل من خلال التواصل، ومن خلال شبكات واسعة تبني مسارها الحضاري بعدالة وتكافؤ، هكذا نقرأ الفاية، وهكذا نفهم التراث في إمارة الشارقة، فنحن نرى أن الاستثمار في حماية هذه المواقع لا يقل أهمية عن الاستثمار في البنية الاقتصادية والعلمية وبناء الإنسان، فالتراث ليس استدعاءً للماضي، إنه تأسيس للمستقبل ".
واختتم سموه كلمته موجهاً الشكر والتقدير إلى الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي على ما بذلته من جهد كبير في قيادة هذا الملف، مثمناً سموه الدور الذي قامت به هيئة الشارقة للآثار، وجميع الشركاء والباحثين والمتخصصين الذين أسهموا في تحقيق هذا الإنجاز.
وكان الحفل الذي أُقيم في مركز مليحة للآثار قد استهل بتدشين صاحب السمو حاكم الشارقة للنصب التذكاري الخاص بإدراج "الفاية" على قائمة التراث العالمي لليونسكو، متفضلاً سموه بإضاءة الأيقونة المخصصة للإعلان. كما تسلّم سموه شهادة الإدراج الرسمي من لازار إلوندو أساومو مدير مركز التراث العالمي في اليونسكو، في لحظة جسّدت المكانة العالمية للفاية، وأبرزت الإنجاز العالمي الذي يرسخ مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة، ودورها في صون الإرث الإنساني وحماية المواقع ذات القيمة الاستثنائية.
وأعلنت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي خلال كلمة ألقتها عن إطلاق "منحة الفاية للبحوث" وهي مبادرة دولية علمية جديدة بقيمة مليوني درهم تستمر على مدى ثلاثة أعوام، وتم إطلاقها إيماناً من حكومة الشارقة بقوة الاستثمار في الثقافة، وتهدف إلى دعم الدراسات المتخصصة حول الفاية، وتعزيز حضور الباحثين الشباب، مع تخصيص فرص للطلاب الإماراتيين للمشاركة في بعثات علمية تُسهم في توسيع المعرفة بتاريخ الموقع ودوره في تطور الإنسان، وتُدار هذه المنحة من قبل هيئة الشارقة للآثار بإشراف اللجنة العلمية لموقع الفاية للتراث العالمي.
وأضافت " في الحادي عشر من يوليو من هذا العام، أُعلن عن إدراج الفاية على قائمة التراث العالمي، وكانت لحظة عمِلنا من أجلها لعقود، وعندما حققنا ذلك الهدف، ما شعرنا به لم يكن الفوز والانتصار بقدر ما هو الامتنان، امتنانٌ لتقدير العالم لقناعتنا ولإدراك العالم بأن موقع الفاية يحمل قصة، وأن أصوات الذين عاشوا هنا قبل مئات آلاف السنين جديرة أن تُسمع بوصفها جزءاً من تاريخنا الإنساني المشترك ".
وتناولت سفيرة موقع الفاية للتراث العالمي أهمية إدراج "الفاية" على القائمة، قائلة :" إن إدراج الفاية على قائمة التراث العالمي يُؤكد الأهمية العالمية لهذا الموقع، ويعمّق فهمنا للهجرة البشرية المبكرة، والتكيّف، والابتكار، كما يضع شبه الجزيرة العربية في قلب تلك القصة، وتاريخياً، كان يُنظر إلى شبه الجزيرة العربية على أنها معبر بين القارات، ونجح موقع الفاية بتفنيد هذه الرواية وتغييرها، إذ يكشف عن حقيقة أن البشر الذين عبروا ذلك المكان عادوا إليه واستقروا فيه وتكيّفوا معه، وعلى امتداد آلاف السنين تطوروا وتعلموا و تركوا لنا آثاراً تساعدنا على فهم جذورنا ومن أين أتينا، ومايربطنا مع بقية العالم كأسرة واحدة ".
وأضافت " هذه الاكتشافات تدعونا إلى إعادة فتح كتب التاريخ وإعادة النظر في فرضيّات طالما اعتُبرت أنها مُسَلَّمات، وإدراك أن فهمنا لمسيرة الإنسان لا يزال قابل للاكتشاف والتطوير".
وثمنت سفيرة موقع الفاية للتراث العالمي جهود صاحب السمو حاكم الشارقة، قائلة :" لم يكن لهذا الإنجاز أن يتحقق لولا رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة، الذي تبنّى هذا المشروع ودعمه بحكمة والتزام ثابت لا يتزعزع على مدى عقود، لقد آمن سموه منذ البداية بأن هذه الأرض تروي قصة تستحق أن نشاركها مع العالم وأن معرفة تاريخنا وتراثنا وهويتنا هي أعظم استثمار في مستقبلنا، وساهم إيمان سموه الراسخ في ضمان استدامة المشروع على المدى الطويل ".
وتطرقت إلى الجهود التي بُذلت من قبل المؤسسات المعنية، قائلة :" حرصت هيئة الشارقة للآثار على العمل جنباً إلى جنب مع باحثين وأكاديميين من جامعات ومؤسسات دولية مرموقة بهدف تطوير هذا العمل عبر سنوات من التنقيب والدراسة والتحليل والاكتشاف إلى أن اتضح أن الفاية لعبت دوراً رئيسياً في الوجود البشري المبكر في هذه المنطقة، وأن شبه الجزيرة العربية كانت من أوائل مواطن البشرية التي شهدت تفاعلاً واعياً بين الإنسان ومحيطه المادي ".
وتحدثت سفيرة موقع الفاية للتراث العالمي عن الخطط المستقبلية، قائلة :" مع الاعتراف العالمي بهذه المعرفة نتطلع إلى مستقبل هذا الموقع وما سنتعلم منه في قادم الأيام والسنوات وما يتطلبه منا من التزام وجهود مضاعفة، ونحن في إمارة الشارقة، نؤكد تعهّدنا بحماية وصون الفاية، بما يضمن استدامة هذا الإرث للأجيال القادمة، وندرك أن قصة الفاية ينبغي أن تواصل التوسع من خلال البحث المستمر، والاكتشاف، والتعاون العالمي".
ووجهت في ختام كلمتها التقدير والامتنان إلى لازار إلوندو أسومو مدير مركز التراث العالمي باليونسكو، وللأعضاء في لجنة التراث العالمي، وكل من شارك في هذه الرحلة، مشيرة إلى أن ثقتهم في القيمة العالمية الاستثنائية للفاية عنصراً أساسياً في الحصول على الاعتراف، مؤكدة أن هذا الإدراج شرف ومسؤولية في آنٍ واحد، والفاية أصبح الآن ملكًا للعالم، معاهدة سموها على الاستمرار في العمل على تعميق الفهم لأهمية الموقع مع الأجيال القادمة.
من جانبه، أشاد لازار إلوندو أساومو مدير مركز التراث العالمي في اليونسكو، خلال كلمته بجهود إمارة الشارقة معبراً عن سعادته بالتواجد في إمارة الشارقة، وفي الموقع الاستثنائي، للاحتفال بإدراج "الفاية" على قائمة التراث العالمي.
وأشار أساومو إلى أن الاعتراف الرفيع من لجنة التراث العالمي يمثّل محطةً مهمة في تقدير الموقع الفريد، ما يؤكد أهميته العالمية بوصفه تراثًا للإنسانية، مؤكداً أن إدراج المواقع الثقافية أو الطبيعية على قائمة التراث العالمي يثبت امتلاكها قيمة عالمية استثنائية، تستوجب حمايتها لصالح البشرية جمعاء.
وتناول مدير مركز التراث العالمي في اليونسكو أهمية اتفاقية التراث العالمية وما تمثله، قائلاً : تُعدّ اتفاقية التراث العالمي معاهدة دولية فريدة وآلية بارزة تجمعنا معًا على القيم المشتركة، للعمل بصورة جماعية من أجل صون تراثنا المشترك للأجيال المقبلة، ويمثّل موقع "الفاية" الموقع الثاني في دولة الإمارات العربية المتحدة الذي يُدرج على قائمة التراث العالمي، بعد إدراج "المواقع الثقافية في العين (حفيت، هيلي، بدع بنت سعود ومناطق الواحات)" عام 2011، ويجسّد هذا الإدراج غِنى وتنوّع تراث الدولة، بما يحمله من قيم ثقافية وطبيعية راسخة /.
وأشار أساومو إلى زيارته لأجزاء من موقع الفاية، قائلاً : سعدت اليوم بزيارة بعض أجزاء الموقع الواسع والاستثنائي المدرج على قائمة التراث العالمي، ومشاهدة ما يضمّه من مناطق محمية متعدّدة، إذ يشتمل موقع "الفاية" على بقايا أثرية بالغة الأهمية، إلى جانب سمات جيومورفولوجية وفّرت موارد أساسية، مثل المياه والمواد الخام، الأمر الذي أتاح الاستقرار البشري، ومع وجود أدلة على الاستيطان البشري خلال العصر الحجري الأوسط المبكر والعصر الحجري الحديث، على مدى آلاف السنين، يسلّط هذا الموقع الضوء على استجابات الإنسان القديمة للظروف المناخية القاسية .
وأضاف مدير مركز التراث العالمي في اليونسكو : في الوقت ذاته، يوفّر الموقع المدرج فرصًا كبيرة لمزيد من البحث والاستكشاف، ما سيسهم بلا شك في تعميق فهمنا المبكر لاستيطان الإنسان في البيئات الجافة، كما أتيحت لي الفرصة للاطلاع على الجهود التي تبذلها الشارقة، ولا سيما هيئة الشارقة للآثار، في حماية هذا الموقع وصونه وعرضه للجمهور .
ووجه أساومو حديثه لصاحب السمو حاكم الشارقة، قائلاً :" صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، إن العناية التي أوليتموها للثقافة والتراث، وأهمية الحفاظ عليهما ونشرهما للأجيال القادمة، جديرة بكل تقدير. وقد امتدّ هذا الجهد ليشمل دعم المنطقة بأسرها ".
واختتم مدير مركز التراث العالمي في اليونسكو كلمته، إن احتفال اليوم يسلّط الضوء على الأهمية العالمية لموقع "الفاية" بوصفه تراثًا للإنسانية، وعلى الدور المهم الذي أدّاه في تاريخنا المشترك، أتقدّم إليكم بخالص التهاني بمناسبة إدراجه على قائمة التراث العالمي .
وفي كلمة خلال الحفل رحّب عيسى يوسف مدير عام هيئة الشارقة للآثار، بالضيوف والشركاء مؤكداً أن إمارة الشارقة، بقيادة ورؤية صاحب السمو حاكم الشارقة، بَنت مشروعاً معرفياً متكاملاً يجعل من التراث ركناً أساسياً في فهم الإنسان وتاريخه، مثمناً جهود الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، في قيادة ملف ترشح الفاية وتقديم تراث المنطقة للعالم، مجسدةً عملاً وطنياً وعلمياً لإبراز التراث الإنساني للمنطقة، بوصفه جزءاً أصيلاً من قصة الحضارة البشرية ومسارها الممتد.
وأضاف عيسى يوسف ان اهتمام الشارقة بالتراث حكاية طويلة، تُروى عبر عشرات المواقع الأثرية، والبعثات العلمية المتخصصة، والمشاريع المحلية والدولية، ومبادرات الحفظ والصون، التي جعلت من الإمارة منصةً معرفيّة ومرجعاً مهماً في التراث الثقافي المادي وعلم الآثار. لقد عززت الإمارة مكانتها اليوم بفضل تمسكها بهويتها التاريخية والحضارية، وجهةً تجذب الباحثين عن الأصالة والعراقة، من علماء ومؤرخين، وسياح ورواد أعمال .
وتضمّن الحفل برنامجاً فنياً وعلمياً متكاملاً منح الضيوف تجربة مكثفة تستعيد تاريخ "الفاية" وعمقه الإنساني؛ حيث بدأت الفقرة بعرض فيلم أرشيفي قصير يوثّق مسيرة الموقع واكتشافاته، أعقبه فيلم "منحة الفاية البحثية" الذي قدّم بصوت الراوي تصوراً شاملاً لأهداف المبادرة ودورها في دعم الأبحاث المستقبلية ورعاية جيل جديد من الباحثين الشباب.
وتلا ذلك عرض بعنوان "قصة الفاية"، عُرض على شاشات محيطية مباشرة على واجهة صخرية في قلب الموقع، واستُخدمت فيه تقنيات تصوير ثلاثي الأبعاد ولقطات طبيعية دقيقة لمحاكاة البيئات المتغيّرة عبر أكثر من 210 آلاف عام، ضمن سرد بصري وشعري يستحضر خطوات الإنسان الأولى في المنطقة.
واختُتم البرنامج الفني بعرض ابتكاري حمل اسم "أصداء الفاية"، اعتمد على تفاعل الضوء والهواء ليجسّد كيف كُتبت ذاكرة الفاية في الرمال، والمياه والصخور، والريح. وجسّد العرض مشاهد متبدّلة من البيئة الجبلية والصحراوية، ورمال الفاية والطبقات الجيولوجية الممتدة عبر الزمن. ومنح هذا العمل البصري الحاضرين تجربة حسية متكاملة، تستعيد ذاكرة المكان وتعيد رسم التحولات الطبيعية والإنسانية التي شكّلت تاريخ الموقع، في مزيج فريد يجمع بين الفن والبحث العلمي وروح التراث.
وتفضل صاحب السمو حاكم الشارقة بتسليم الدروع التذكارية للمؤسسات الشريكة في المشروع، والتي ساهمت بجهودها المؤسسية في إنجاح ملف ترشيح "الفاية" واعتماده على المستوى العالمي، تعبيراً عن الامتنان للدور الذي أدّاه التعاون في تحقيق هذا الإنجاز، وتأكيداً على أن صون التراث الإنساني ثمرة شراكات راسخة بين الهيئات البحثية والثقافية والمؤسسات المتخصصة.
واختُتمت الأمسية بمأدبة عشاء رسمية صُمّمت تفاصيلها لتنسجم مع روح المكان ورسالته التاريخية، في تجمع علمي وثقافي يعكس استمرار التزام الشارقة بتعزيز القيم العالمية للتراث، وبناء جسور تعاون تدعم المعرفة والوعي الإنساني.
وكان صاحب السمو حاكم الشارقة قد تجول قبل الحفل في مركز مليحة للآثار، مشاهداً معرض رحلة الفاية إلى التراث العالمي من 1973 إلى 2025، والتي تتضمن محطات زمنية مهمة في هذه الرحلة التي بدأت بتحريات بحثية علمية نفذتها بعثات دولية في الموقع، أدت إلى رسم خرائط منهجية لسلسلة جبال الفاية، تلاها اكتشافات أثرية غيرت المفاهيم السائدة عن انتشار البشرية الأول من أفريقيا إلى العالم، لتتوج هذه الرحلة في العام 2025 بالإدراج الرسمي للموقع على قائمة التراث العالمي.
واستمع سموه إلى شرح حول جهود هيئة الشارقة للآثار بالتعاون مع شركائها في مجالات البحث والدراسات المتخصصة، مطلعاً سموه على الخرائط والنماذج التي تبين حركة الأمطار في المنطقة، والدور الجيولوجي الذي تؤديه جبال الفاية في إيقاف امتدادها عبر سهل المُدام، مشاهداً سموه أبرز الآثار المكتشفة في منطقة مليحة، والتي شملت رؤوس سهام، وقبوراً، وأدوات زينة، وبقايا بشرية، تعكس دلائل واضحة على الوجود البشري في مليحة عبر عصور تاريخية متعاقبة.
وشمل المعرض مجموعة مختارة من الاكتشافات الأثرية التي تعود إلى مئات الآلاف من السنين، من بينها 6 قطع أثرية تُعرض للمرة الأولى أمام صاحب السمو حاكم الشارقة، وتمثل محطات زمنية مفصلية في تاريخ موقع الفاية، وهي، فأس حجرية أشولية تعود إلى العصر الحجري القديم الأدنى ويُقدّر عمرها بنحو 500 ألف عام، وأدوات حجرية من العصر الحجري القديم الأوسط يعود تاريخها إلى ما بين 80 ألف و50 ألف عام، إلى جانب رؤوس حجرية للصيد تعود إلى نحو 40 ألف عام، وشفرات صوانية طويلة تعكس تطور تقنيات التصنيع قبل نحو 30 ألف عام، إضافة إلى أدوات تقطيع صغيرة متعددة الاستعمالات يتراوح عمرها بين 20 و15 ألف عام.
كما قام سموه بمصافحة السفراء المندوبين الدائمين للدول الأعضاء لدى اليونيسكو، معرباً سموه عن شكره وتقديره لجهودهم المبذولة في دعم ملف الفاية لإدراجه على قائمة التراث العالمي لليونيسكو.
وجاء اعتماد إدراج "الفاية" تتويجاً لمسار عمل امتد لسنوات، قادت خلاله الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي ملف الترشيح الدولي للمشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية بوصفها السفيرة الرسمية لملف الترشيح، حيث عملت مع فريق متكامل من هيئة الشارقة للآثار وشركاء وبيوت خبرة دولية على توثيق القيمة العالمية الاستثنائية للموقع، وإعداد الدراسات العلمية التي أبرزت الفاية بوصفها أحد أقدم الأرشيفات الحية لوجود الإنسان في البيئات الصحراوية لأكثر من 200–210 آلاف عام.
وقادت الشيخة بدور سلسلة من اللقاءات والفعاليات الدولية المتخصصة لتعزيز قيمة موقع الفاية والتعريف برسالته العلمية والإنسانية. وتكلّل هذا الجهد الجماعي بلحظة الإعلان الرسمي عن إدراج الفاية خلال الدورة السابعة والأربعين للجنة التراث العالمي في باريس، حيث مثّلت سموها دولة الإمارات وإمارة الشارقة، معبّرةً عن امتنانها لثقة اليونسكو، ومؤكدة أن قصة الفاية هي جزء من القصة المشتركة للإنسانية.
التعليقات