تُعرَّف السياحة المظلمة أو السياحة السوداء "Dark Tourism" بأنها السفر إلى مواقع ارتبطت تاريخيا بالمآسي والفظائع الإنسانية نتيجة الحروب الدامية أو الكوارث الطبيعية المروعة. يهدف ذلك النوع من السياحة طبقًا لمن يروج له من الدول أو الأفراد أو المؤسسات إلى الإطلاع على المآسي الإنسانية وتذكُر الأحداث الرهيبة التي مرت بها مجموعات من البشر، وإظهار الاحترام والتعاطف مع معاناة الإنسان. ومنذ أن خرج ذلك المصطلح إلى النور في تسعينيات القرن الماضي وراحت بعض الدول تهتم بذلك النوع من السياحة لتخليد ذكرى أحداثها المؤلمة بأن تجعل من تلك المواقع مزارات سياحية.
إن فكرة السياحة المظلمة رائجة بقوة في الغرب. نجد أعدادا كبيرة من السجون ومعسكرات التعذيب والاعتقال ومواقع الكوارث الطبيعية في أوروبا وآسيا وإستراليا والأمريكيتين بل وبعض الدول في أفريقيا قد تحولت إلى مزارات مفتوحة أو متاحف عامة يتهافت عليها الزوار لمشاهدتها والتعرف على ما جرى فيها من أحداث أليمة لتذَكُرها والاعتبار منها. والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا من أهمها معسكر أوشفيتز النازي في بولندا، ومقر سجن نيلسون مانديلا إبان الفصل العنصري في جنوب افريقيا، ومتحف الإبادة الجماعية في رواندا، ومزار هيروشيما في اليابان، وموقع جدار برلين في ألمانيا، وغير ذلك من المواقع الأخرى المنتشرة حول العالم.
لقد عانى العالم العربي من الاحتلال لعقود طويلة، وشهد سقوط أعداد هائلة من الشهداء في مواقع متفرقة من أراضيه، فضلًا عن الكوارث الطبيعية التي راح ضحيتها الآلاف في عدد من الدول العربية. ويوجد بالفعل مزارات تُخلد تلك الأحداث إما مقابر للشهداء أو نصب تذكاري لمواقع دارت عليها أحداث أليمة من حروب وتنكيل وجرائم ضد الانسانية، لكن الأمر لا يعدو عن كونه مجرد مواقع وطنية لتخليد ذكرى تلك الأحداث، بعضها مفتوح للزيارة محليًا وربما قد يزورها من الخارج عدد من المهتمين. على الجانب الآخر هناك من يعترض على ذلك النوع من السياحة لأسباب أخلاقية. يرى البعض أن السياحة المظلمة ما هي إلا مجرد استثمار في آلام البشر، وتحويل المآسي البشرية والكوارث الطبيعية وما خلقته من ضحايا إلى مصدر من مصادر الدخل بحجة السياحة والرواج الاقتصادي. ولعلنا هنا لسنا بصدد الحديث عن تلك الآراء التي هي بالطبع جديرة بالاحترام، ولكن نحاول مناقشة الفكرة برمتها ومدى قابليتها للتطبيق في العالم العربي.
بوجه عام ما زال الأمر يحتاج دراسات وافية لمعرفة مدى استعداد وزارات أو هيئات السياحة في العالم العربي لنمط السياحة المظلمة، بالإضافة إلى الجدوى الاقتصادية التي ستعود من مثل ذلك النوع من السياحة. أعتقد أن الأمر أيضًا إن وُجد من يتحمس له سيحتاج إلى نوع معين من التسويق والترويج قد يختلف كثيرًا عن طريقة الترويج للسياحة الثقافية أو السياحة الترفيهية أو السياحة الدينية وغير ذلك من أنواع السياحة التقليدية المتعارف عليها. لنترك الأمر مطروحًا للنقاش ولمزيد من البحث والدراسة، ولدينا مجموعة كبيرة من خبراء السياحة في العالم العربي ممن لديهم تصور عن تلك الأنواع السياحية الجديدة وكيفية التعامل معها بالشكل الأمثل الذي يحقق الفائدة المرجوة.
بـاحث في التــاريخ والتـراث
التعليقات