أثار فوز زهران ممداني بانتخابات عمدة مدينة نيويورك (وليس انتخابات حاكم ولاية نيويورك)، زخما سياسياً وإعلامياً، داخلياً وخارجياً، تخطي حدود الولايات المتحدة الأمريكية.
والسؤال هنا.... لماذا أثار فوز ممداني كل هذه الضجة؟
- أصوله وديانته: حيث إنه للمرة الأولي، تنتخب مدينة نيويورك بما تمثله من تنوع ثقافي وديموجرافي كبير (وهي واحدة من أهم وأكبر المدن بالولايات المتحدة، إن لم تكن الأهم بالفعل)، شاباً مسلماً ومن أصول هندية، كما أنه لأول مرة من أكثر من 100 عام يربح انتخابات عمدة هذه المدينة الكبرى، شاباً أكمل عامه الرابع والثلاثين، من أيام قليلة، ولا يمتلك خبرات سياسية وتنفيذية كبيرة.
- برنامجه الانتخابي: تبني ممداني برنامج اليسار التقدمي (المناهض لليمين الشعبوي)، حيث ركز على القضايا اجتماعية واقتصادية: مثل العدالة الاجتماعية، تحسين المساكن، الحد من إيجارات السكن، دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة، توفير وسائل نقل عام مجانية، فرض ضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء لتمويل الخدمات الأساسية (مثل الرعاية الشاملة للأطفال والتوسع في الإسكان منخفض التكلفة).
- حملته الانتخابية: قامت حملته الانتخابية على وسائل التواصل الاجتماعي، والتواصل المباشر مع جمهور الناخبين، نظراً لاعتماده على تمويل حملته من العمال والطلاب والأسر متوسطة الدخل، وهو ما دفعه لجمع ما يقارب المليوني دولار فقط، مقارنة بجمع منافسه المباشر، أندرو كومو، لما يزيد عن 10 أضعاف ذلك المبلغ، والذي جمع ذلك المبلغ من الدعم الذي تلقاه من أكبر أثرياء الولايات المتحدة مثل إلون ماسك، ومايكل بلومبرج، وغيرهما، وذلك بخلاف تحريض الرئيس الأمريكي، ترامب، ضد انتخاب ممداني ووصفه بالشيوعي وليس الاشتراكي، وهو ما مثل تحدياً للنخبة التقليدية.
- طبيعة نيويورك: مدينة نيويورك، هي عاصمة المال والأعمال في العالم، إذ تضم وول ستريت والبورصة الأميركية، ومقر الأمم المتحدة. وكذا تضم المدينة أكبر تجمع يهودي في العالم خارج إسرائيل، وقد أعلن ممداني مراراً عن معارضة حرب إسرائيل على غزة، وكذا استعداده للقبض علي رئيس الوزراء الإسرائيلي، نيتانياهو، عند زيارته لمدينة نيويورك.
وتتلخص دلالات فوز ممداني بالانتخابات فيما يلي:
- تغير المزاج الشعبي: يعكس هذا الانتصار التحول في توجهات بعض شرائح الناخبين في الولايات المتحدة عموماً وفي نيويورك على وجه الخصوص: زيادة تأثير جيلي ألفا وزد من الشباب، تراجع تأثير الإسلاموفوبيا، ارتفاع أسهم اليسار التقدمي لمواجهة اليمين الشعبوي.
- زيادة الفجوة بين اليهود الأمريكان وإسرائيل وتراجع تأثير اللوبي اليهودي: رغم ضغوط اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل لإسقاط ممداني بكافة السبل، إلا أنه نجح في الحصول على ما يزيد عن ثلث أصوات اليهود بالمدينة، مما يعكس تراجع الدعم لإسرائيل من جميع أطياف المجتمع الأمريكي بما في ذلك اليهود، وذلك بسبب حرب إسرائيل على غزة وما اقترفته من جرائم خلالها.
- تراجع شعبية ترامب: رغم تمركز إمبراطورية ترامب العقارية في نيويورك، ورغم تحريضه ضد ممداني، وحث الناخبين على اختيار منافسه، إلا أن فوز ممداني عكس تململ الطبقة الوسطي والبسيطة من ارتفاع الأسعار، والتضخم بسبب التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب، وهما ذات الطبقتين التين بني دونالد ترامب حملته الانتخابية عليهما.
ختاماً:
لم تكن الضجة التي أحدثها فوز زهران ممداني، بانتخابات مدينة نيويورك، من فراغ، بل كانت راجعة لخلفيته الدينية وأصوله وسنه الصغير كسياسي بدون خبرة كافية لحكم مدينة نيويورك، وأيديولوجيته التقدمية، والتحدي الذي يمثله للنخبة السياسية والاقتصادية. ولكن المؤكد أن عمدة مدينة نيويورك لا يملك أي فرصة للترشح بانتخابات الرئاسة الأميركية، نظراً لمولده خارج الولايات المتحدة، بالمخالفة لشروط الترشح للانتخابات الرئاسية.
التعليقات