الكتابة فن راق وجميل وتزداد رقيا وجمالاً وبهاء ، إذا استلهمت مادتها من الواقع المعيش ، فلابد أن يكون الكاتب مهموماً بقضايا واقعه الذي يحياه وإلا فليذهب بفكره حيث يشاء وحتى إن كتب فلن يلاقي صدى أو قبولا عند القراء ويفقد مصداقيته خصوصا إن تنافت كتابته مع ما يفعله(لم تقولون ما لا تفعلون)
كالذي يكتب ناصحا الناس بالاقلاع عن التدخين وهو مدخن ، أو كالذي ينصح الناس بالزهد وهو أبعد ما يكون عنه أو كالذي يكتب داسا السم فى العسل قالبا الحق باطلا والباطل حقا مزينا الحياة وردية بنفسجية وليس ثمة مشاكل ولا معاناة يعانيها بني جلدته ، كله عنده ياسمين ومسك وعنبر ورياحين.
الكاتب المتقن الموهوب هو الذي يولد من رحم واقعه بأفراحه وأتراحه.
وهو الذي تكون فكرته عصية الحضور ومخاضها عسير لأنه يحللها تحليلا دقيقا مفندا إياها واضعاً يده على الداء ثم يجتهد قدر استطاعته لكتابة الدواء الناجع لها.
إذا الكتابة فن جميل وموهبة من عند الله تعالى ، ولابد من صقلها بالدراسة وبالتثقيف وبالمتابعة المستمرة لكل ما يطرأ على واقعنا المعاصر من مستجدات على كافة الأصعدة والمستويات ، سواء السياسية أوالاقتصادية أوالاجتماعية أوالعلمية وكل ما تحمله هذه المناحي من ملفات تهم المواطن الذي هو عضو في مجتمعه ، بل وكل ذلك مسخر له من أجل توفير حياة كريمة تتحقق فيها المواطنة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان.
فالكاتب لابد أن يكون موهوبا وعنده شغف للكتابة.
ثم بعد ذلك لابد أن يكون لديه حصيلة لغوية كبيرة وأن يكون ملما بقواعد اللغة العربية ومفرداتها حتى يتمكن من صياغة عباراته بطريقة جميلة تجذب القارئ إلى ما يكتبه.
كذلك لابد أن تكون لديه مادة علمية يطوعها كيفما يشاء لمعالجة مشكلات التي تطرأ على واقعه.
كذلك لابد أن تتسم كتاباته بالموضوعية والحيادية فإذا ما نقد شيئا ما ينقده بموضوعية ، وإذا ما عالج قضية ما تمس المواطن لا يميل إلى جانب على حساب الآخر ، فلا يظلم المواطن ولا يجور على الدولة التي ينتمي إليها.
كذلك لابد وحتما أن يجيئ مقاله ممتعا مشوقا للقارئ فلا يكون طويلا مملا ولا قصيرا مخلا.
كذلك ينبغي أن تكون مقالته سلسة بسيطة يخاطب خلالها كافة المستويات الثقافية فلا يأتي بألفاظ مستغلقة الفهم ولا بعبارات مبهمة غامضة لا يطيقها ولا يستوعبها القارئ مما تجعله ينفر من المقالة موليا وجها بعيدا عنها طارحا إياها أرضا غير قارئا لها .
تلك هى في اعتقادي الضوابط التي ينبغي توافرها فى من ينبري لكتابة المقال لسببين رئيسين أولهما: عين القارئ ناقدة تعي كل ما يقدم لها ، لماحة ذكية فلا ينبغي بحال من الأحوال الاستخفاف بعقل القارئ لأن ذلك سيفقد الكاتب مصداقيته هذا بالنسبة للقارئ الكريم .
ثانيهما: إرضاء وإشباع نهم الكاتب وعشقه للكتابة وهذه ناحية ذاتية.
نعم لابد للكاتب أن يكون معايشا لقضايا عصره ومشكلاته ، فنجد على سبيل المثال مشكلة الارتفاع الجنوني للأسعار واحتكار بعض التجار للكثير من السلع وركوب كثير من التجار الموجة ، فلابد أن تعالج مثل هذه المشكلات بمنتهى الدقة والحزم ومحاولة وضع حلول جذرية ناجعة دونما تقديم أنصاف حلول أو تقديم مسكنات ، لأن المسكنات لا تجدي في هذه المشكلة.
المسكنات تعالج الأعراض فقط ويظل الداء كما هو.
قس على ذلك مشكلات التعليم الإلزامي وما بعده ، المشكلات السياسية ، الإجتماعية ، الثقافية والفكرية ، فلسفة الحوار وقبول الرأي الآخر وقبول النقد البناء الذي يوجه إلى الصواب.
مشاكل الشباب وأهمها البطالة وما يترتب عليها من مشكلات أخطر.
كل هذه المشكلات إذا لم ينبري ويتصدى لها الكتاب بحيادية وموضوعية فمن الذي سيتصدى لها.
وبعد هل علمتم لماذا الكتابة شفاء لما فى الصدور.؟!
حتى وإن كانت كتاباتنا متخصصة ، بمعنى في مجال تخصصنا ، الفكر الفلسفي الإسلامي ، أو الإجتماع أو علم النفس أو الاقتصاد، أو الفكر السياسي فلابد أن نوظفها لخدمة واقعنا المعاصر ، مثلما فعل أسلافنا وظفوا فكرهم لخدمة قضايا عصورهم التي وجدوا فيها.
حقا المفكر والكاتب والأديب والشاعر والقاص مرآة لعصره لا يحيد ولا يميد ، وإلا فلن يحمل فكره ولن تحمل كتاباته أدني مصداقية لا من قريب ولا من بعيد ، وستذهب كتاباته ومقالاته أدراج الرياح.
ليس هذا وحسب بل سينسى ولن يكون له ذكر ، حتى وإن ذكر سيذكر بالسوء أعاذنا الله تعالى من أن نلقى الله ويذكرنا الذاكرون بالسوء ، فالكلمة أمانة ومسؤولية وشهادة لنا أمام الله تعالى (ستكتب شهادتهم ويسئلون)، فإن ذكرنا بخير فهي شهادة إن ذكرنا بسوء فهي شهادة.
فكلمتنا نقولها حسبة لله لنرقى بها إلى العلو والسمو ، لا أن تهوي بنا إلى أسفل.
أستاذ الفلسفة بآداب حلوان.
التعليقات