يحاول بنيامين نتنياهو البقاء فى السلطة بأى ثمن، بزعم أنه المدافع الأوحد عن "أمن إسرائيل". إلا أن السنوات الأخيرة، وخاصة في ظل حكوماته المتعاقبة وتحالفه مع أقصى أطراف اليمين المتطرف، كشفت عن سلوك سياسي متهور تغذيه نوازع شخصية تتجاوز الحسابات العقلانية، وتلامس حدود جنون العظمة السياسي.
اليوم، يقف نتنياهو على حافة هاوية سياسية وأمنية، يحاول عبورها على جسر من اللهب. في مواجهة أزمات داخلية خانقة تشمل الانقسام الشعبي، وانهيار صورة "الجيش الذي لا يُهزم" في غزة، وتآكل الثقة الدولية، لم يجد وسيلة للبقاء في الحكم سوى تصعيد التوترات إلى حافة الحرب الشاملة مع ايران، معتقدًا أن الخوف يوحّد الصفوف، وأن الرعب يطيل عمر الزعيم.
رهان على الفوضى
من غزة إلى لبنان، مرورًا بسوريا والعراق، ووصولًا إلى إيران، يحاول نتنياهو جر المنطقة إلى مواجهة مفتوحة، يُسقط خلالها حسابات الردع، ويقلب طاولة الاستقرار فوق رؤوس الجميع. ففي الضربة التي استهدفت العمق الإيراني ، لم يكن الهدف تحقيق مكسب استراتيجي، بل إرسال رسالة مفادها أن إسرائيل مستعدة لإشعال الإقليم برمّته إذا تطلب الأمر.
إن هذا السلوك لا يعبّر عن استراتيجية دولة، بقدر ما هو انعكاس لأزمة زعيمٍ يائس، بات يدرك أن محاكم الفساد، وانهيار شعبيته، وتمزق المجتمع الإسرائيلي، قد تُنهي مسيرته السياسية إن لم يجد "عدوًا خارجيًا" يوحّد خلفه الجمهور.
تجاهل كلفة الدم
ما يثير القلق أن نتنياهو مستعد لدفع أثمان بشرية واقتصادية مروّعة من أجل مغامراته. لقد قاد حرب إبادة في غزة، لم تحقق سوى المزيد من العزلة الدولية لإسرائيل، ويواصل استفزاز حزب الله في الشمال، ويتغاضى عن التبعات المحتملة للحرب مع إيران، رغم إدراكه أن ذلك قد يعني حربًا إقليمية مدمّرة.
هنا، تتضح خطورة جنون العظمة: الزعيم الذي يظن نفسه فوق الحساب، والمصلحة الوطنية، بل وحتى فوق المنطق.
خطر على السلام
إن استمرار نتنياهو في الحكم، وسط هذه الذهنية المتعجرفة والميل المتزايد إلى التصعيد، لا يُهدد فقط الفلسطينيين أو العرب، بل يُهدد الإسرائيليين أنفسهم، ويضع المنطقة بأسرها على شفا كارثة.
لقد حان الوقت للمجتمع الدولي، وللداخل الإسرائيلي ذاته، أن يدرك أن أمن الشرق الأوسط لا يمكن أن يُرتهن لأهواء رجلٍ مهووس بالسلطة، مستعد لحرق المنطقة من أجل البقاء. فالسلام لا يُبنى على الخوف، والسياسة لا تُدار بجنون العظمة .
التعليقات