في الوقت الذي اعتقد فيه بعض صناع القرار في الغرب أن إسرائيل تمثل واحة للاستقرار والأمن في منطقة تموج بالصراعات، جاءت السنوات الأخيرة لتثبت العكس تمامًا. فقد تحولت إسرائيل إلى مركز للتوتر، ومرجل للحروب التي لا تنطفئ، وتحت حكم اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، أصبحت "الدولة الآمنة" شعارًا مضللاً لا يعكس الواقع على الأرض.
منذ عودته إلى الحكم، دفع نتنياهو بإسرائيل إلى مغامرات عسكرية متتالية، آخرها الحرب الشرسة على غزة، وما تبعها من تصعيد إقليمي مع حزب الله في لبنان، وتورط مباشر في مواجهات مدمرة مع إيران والحوثيين وسوريا والعراق.
لم تعد إسرائيل قادرة على فرض معادلة الردع، كما لم تعد قبتها الحديدية قادرة على حماية مواطنيها من الصواريخ المتدفقة من أكثر من جبهة. لأول مرة، يعيش ملايين الإسرائيليين في قلق دائم، ويشعرون بأن "الأمن" بات مفهوماً مفقوداً في يومياتهم.
سجّل نتنياهو نفسه كأطول من شغل منصب رئيس الوزراء في تاريخ إسرائيل، لكنه في الوقت ذاته سيكون – على الأرجح – صاحب أسوأ إرث سياسي وأمني. إذ أن بقاءه في الحكم مرهون بتأجيج الأزمات، وافتعال المواجهات الدامية ، والتحالف مع قوى متطرفة دينية وقومية تسعى لفرض أجندة كاسحة، لا تؤمن بالسلام ولا ترى الفلسطينيين إلا كعبء يجب التخلص منه.
نتنياهو لم يعد رجل سياسة، بل أصبح رهينة للهروب إلى الأمام. هروبه من ملفات الفساد الشخصية، ومن محاولات محاسبته قضائيًا، يتم من خلال تصدير الأزمات إلى الخارج، حتى لو أدى ذلك إلى انهيار استقرار المنطقة.
السلام في مهب الريح
تحت سيطرة اليمين الإسرائيلي، لم يعد هناك مجال لأي حديث جاد عن السلام. الحكومة الحالية تضم رموزًا تنادي بضم الضفة الغربية بالكامل، وتهويد القدس، وتشريد ما تبقى من الفلسطينيين، بل وتدعو علناً إلى تصفية "المسألة الفلسطينية" بالقوة.
ومع تصاعد الخطاب العنصري، والانفجار في غزة، والحرب المدمرة مع إيران، تحولت إسرائيل إلى كيان يهدد النظام الإقليمي برمّته، ويقوّض كل فرص التهدئة والتسوية. ليس هذا فحسب، بل إن استفزازاتها المتكررة قد تقود إلى حرب إقليمية شاملة قد لا تنجو منها لا إسرائيل ولا جيرانها.
العالم يدفع الثمن
ما يحدث في فلسطين لم يعد شأناً محليًا، بل أصبح مأساة إنسانية يتردد صداها في كل قارة. تدفق اللاجئين، اضطراب أسعار الطاقة، تصاعد الكراهية الطائفية والدينية، وانقسام الرأي العام العالمي، كلها نتائج مباشرة للسياسات الإسرائيلية العدوانية.
لقد بات واضحًا أن استمرار دعم إسرائيل دون مساءلة سيُبقي الشرق الأوسط في حالة غليان، وسيحول شعوب المنطقة والعالم إلى رهائن لحكومة مغامرة لا تعترف بالحدود، ولا بالقانون الدولي، ولا بالسلام العادل.
لذلك اقول ان إسرائيل لم تعد دولة آمنة، لا لشعبها، ولا للمنطقة، ولا حتى للعالم. وما لم يرحل نتنياهو ويُكبح جماح اليمين المتطرف، فإن الحرائق لن تتوقف، والجبهات ستشتعل، والإنسانية كلها ستظل تدفع ثمن صمتها أمام عدوان لا يعرف حدودًا .
التعليقات