كم مرة ألقيت على وجهك تلك العبارة المريبة غير المفهومة، كم مرة وجدت أنها حائط إسمنتى منيع أمام تطورك وتقدمك فى وظيفتك أو حتى في نطاقك الشخصى؟
فى مسلسل "اللقاء الثاني" بطولة العبقرى محمود يس والرقيقة بوسي ومع ألحان الموسيقار الكبير عمر خيرت عشنا حلقة كان فيها البطل مهندس فى مصلحة حكومية ولزيادة دخله كان يود الالتحاق بوظيفة أخرى فى القطاع الخاص ولكنها مغامرة ففكر أن يتقدم بإجازة بدون أجر يكفلها له القانون حتى يختبر التجربة وإن نجحت يكمل فيها وإن تعثر فيها رجع إلى وظيفته الحكومية.
وهنا وقف أمام العبارة الأزلية (حاجة العمل لا تسمح يا سيد) واضطر أن يتقدم بإستقالته من الوظيفة الحكومية المضمونة ليغامر بوظيفة لا يعلم مصيره فيها ولكن الحمدلله أكرمه الله وتطور ونجح ليكون رئيس الشركة وهذا ليس مقياساً للجميع بالطبع.
المثال هنا الذى نتحدث عنه للمسلسل منذ عام 1988 ولكن يعود ميلاد تلك العبارة لما قبل ذلك بكثير فما حكايتها تلك العصا التى يمسكها أحيانا أصحاب العقول الجافة المتيبسة.
أولا هى ليست نصا قانونياً بل تعتمد على السلطة التقديرية للإدارة، ويُستند فيها إلى مواد من قانون الخدمة المدنية الخاص بكل دولة ولكنه يُستخدم كسند إداري وقانوني لرفض طلبات الموظف إذا كان هناك تعارض مع سير العمل من وجهة نظر الإدارة المختصة ولنضع هنا عشرات الخطوط حول عبارة (وجهة نظر الإدارة المختصة) فقد تكون الإدارة واسعة الأفق وقد تكون العكس وإنت وحظك للأسف.
ولكن هل نحن فقط فى هذا البحر من الأسف بمفردنا؟ لا فهناك دول عربية أخرى تستند لهذا النص الغير قانوني ولكنه معترف به إداريا ويتم الإستناد له فى رفض الإجازات أو الندب أو المشاركة فى الدورات التدريبية مثلاً وتلك قضيتى هنا الرئيسية من المقال فى مصر مثلا (وفقًا لقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 ،يُستخدم تعبير "حاجة العمل لا تسمح" عند رفض طلب الموظف للاشتراك بدورة تدريبية.
الأساس القانوني المادة (14) من القانون تنص على "تلتزم الوحدة بوضع خطة سنوية لتدريب موظفيها، ويجوز للموظف أن يقترح الاشتراك في برامج تدريبية إذا كانت مرتبطة بطبيعة عمله، وتُعرض على السلطة المختصة للنظر فيها القرار النهائي يبقى تقديريًا للسلطة المختصة التي قد ترفض التدريب لأسباب منها: عدم إدراج البرنامج في خطة الوحدة أو عدم توفر ميزانية أو حاجة العمل لا تسمح بخروج الموظف للتدريب، ويترك للإدارة المختصة المساحة متسعة لإصدار القرار المناسب من وجهة نظر شخصية بحته.
وبجولة سريهة وموجزة في الدول الأوروبية والغربية لا يُرفض طلب التدريب إلا إذا البرنامج لا يرتبط بالمهام الوظيفية أو الميزانية لا تسمح، مع توضيح السبب كتابيًا فرفض التدريب دون مبرر قد يُعتبر إخلالًا بتكافؤ الفرص في تطوير الموظفين.
فالدورات التدريبية تُعد مجالا لتوسيع الأفق والتطوير المهني والشخصى أيضا وهناك العديد من الأمثلة التى كان التدريب فيها بطلاً فى تطوير الشخصية والتقدم الوظيفى والذى بالتالى يعود على المؤسسة بالتقدم والتميز.
يقول "تقرير البنك الدولي عن رأس المال البشري" الدول التي بتهتم بالتعليم والتدريب بشكل منظم ومستمر، تصل لرأس مال بشري أقوى، وبالتالي تنمية اقتصادية أعلى.
"تقرير منتدى دافوس العالمي" يقول الدول اللي بتخصص 5–8% من ميزانية الموارد البشرية للتدريب، حققت تطور أسرع في التكنولوجيا، الصحة، والإدارة العامة.
وبمقارنة سريعة بين الدول التى تهتم بالتدريب كحق للموظف وليس خاضع لمزاج الإدارة وترتيب تلك الدول فى الإبتكار نجد دولة "فنلندا" ضمن أول 10 دول التى تعتبر التدريب حق أساسي وتشاركى.
نجد دولة "مصر" في المركز 86 (2023) التى تعتبر التدريب خاضع لموافقة "الجهة المختصة"، دولة "ألمانيا" من أول 10 دول التى تعتبر التدريب منصوص عليه قانونًا وبمشاركة الموظف، دولة "الجزائر" خارج أول 90 دولة التى تعتبر التدريب محدود وخاضع للسلطة الإدارية.
الخلاصة هنا الدول غير المتعنتة في التدريب تحقق تطورًا أسرع بنسبة تُقدر بـ 2 إلى 3 أضعاف مقارنة بالدول المتعنتة.
نحتاج إلى قيود تحكم أصحاب الفكر المنغلق والذى قد يملكون سطة إدارية قد تعيق المؤسسات عن التقدم والتطوير وبالتالى تعيق تنمية الدول وتطورها فالإنسان هو أساس تطور الدول ونموها.
فإذا كنت صاحب سلطة فى إستخدام تلك العبارة الفضفاضة وترى فى الموظف "أداة تشغيل فقط" فكن واثقا أنك مساهم فى هدرفرص ضخمة للتنمية فى مؤسستك وأنك مسؤل مسؤلية مباشرة فى هذا الهدر.
وإذا كنت موظفا مجتهداً لديك شغف وحلم للتطوير الذاتى والعام وحُكم عليك بتلك العبارة المقيتة فلا تيأس وحول مسار تدريبك إلى الأون لاين وصادق الذكاء الإصطناعى بإيجابية وطور من نفسك ومع أول فرصة حقيقية غادر فهم لا يستحقون طاقة بشرية مثلك.
التعليقات