تعود العلاقات الثنائية بين مصر والسودان إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر، منذ أن بدأ محمد علي والى مصر في بناء الدولة الحديثة ؛وفي عام 1820 تقدمت جيوش الدولة المصرية لأول مرة لتقوم بلملمة أطراف المناطق الواقعة جنوبها، ممثلة في سلطنات وممالك وقبائل السودان، لتصنع من كل هذا كياناً إدارياً وسياسياً واحداً، وهو الذى اصطلح على تسميته بالسودان.
كان فتح السودان عام 1820، ثالث الحروب التي خاضت مصر غمارها في عهد محمد علي لتأليف وحدتها السياسية، ولو لم تلح عليه تركيا في المبادرة إلى تجريد الجيوش على شبه جزيرة العرب، لكان فتح السودان أول حروبه بعد ان رد الغزو الانجليزي، لأن محمد علي لم يكن ليغفل عن اهمية السودان الحيوية لمصر.
وقد استمرت مرحلة التوحيد والتكوين هذه زهاء نصف قرن، إلى أن اكتمل السودان الحديث في العام 1874 بعد أن تم إلحاق سلطنة دارفور بالسودان على يد الزبير باشا ود رحمة الجموعي الذي كان قائدا سودانيا تحت إمرة الخديوي إسماعيل، وكان قد سبق ذلك استكشاف وضم إقليم جنوب السودان الذي كان يعرف في ذلك الوقت باسم "المديرية الاستوائية"، عبر ثلاث حملات استكشافية كبرى أثقلت كاهل الخزانة المصرية.
وهو ما ساهم بعد ذلك، إلى جانب إسراف الخديوي إسماعيل في حفل افتتاح قناة السويس في وقوع مصر تحت طائلة الديون الأجنبية، مما أفسح الطريق بعد ذلك للتدخلات الأجنبية التي انتهت باحتلالها من قبل بريطانيا عام 1882.
ظل الترابط بين السودان ومصر قائماً ولم ينقطع إلا لفترة محدودة في عهد الدولة المهدية (من 1885 إلى 1898)، حيث عادت مصر مرة أخرى للسودان عبر الحكم الثنائي (المصري-البريطاني) إلى أن حصل السودان على استقلاله في الأول من يناير 1956.
منذ استقلال السودان في مطلع العام 1956 والعلاقات المصرية السودانية تمر دورياً بحالات من المد والجزر، أو بدورات من الصعود والهبوط. وكان التحليل السائد لدى قطاع لا بأس به من السودانيين يعتمد مقولة أن مصر تفضل التعامل مع أنظمة الحكم العسكرية في السودان، وأن هذا يعد من بين أسباب بقاء هذه النظم في الحكم لفترات أطول.
وقد أدى شيوع هذا الانطباع تدهور العلاقات المصرية السودانية خاصة في مرحلة "الديمقراطية الثالثة"، التي عبرت عن نفسها من خلال إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك، وإلغاء اتفاقيات التكامل المصرى السوداني، وتعويضها بورقة فارغة من المضمون أسماها السيد الصادق المهدي (رئيس الوزراء المنتخب آنذاك) ميثاق الإخاء.
وبعد ثورة 30 يونيو عام 2013، وعقب فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بمنصب الرئاسة في مصر في يونيو 2014 شهدت علاقات البلدين زيارات قياسية متتالية لم تحدث في تاريخ البلدين، حيث تعمل السياسة المصرية على إقامة علاقات تتميز بالخصوصية والتفاهم العميق مع السودان الشقيق، وتطوير العلاقات الاقتصادية المشتركة وإحداث نقلة نوعية فى شتى المجالات.
فالسودان الدولة الوحيدة التى لديها قنصلية فى محافظة أسوان مما يدل على نمو حجم التبادل التجارى. وتلك القنصلية لا يتوقف دورها عند تقوية العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين بل يمتد هذا الدور ليشمل العلاقات فى المجالات المختلفة.
وتعد زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السودان الشقيق دليلا على عمق العلاقات المصرية السودانية.
وحرص الرئيس السيسي أن تكون أول جولة خارجية له عقب إعادة انتخابه لولاية ثانية للسودان الشقيق، كما كانت السودان ضمن أول جولة خارجية في ولايته الأولى أيضا والتي تضمنت الجزائر وغينيا الاستوائية والسودان، ثم أعقب ذلك زيارة الرئيس السابق عمر البشير لمصر في اكتوبر 2014 ثم مشاركته في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري بشرم الشيخ في مارس 2015 ثم زيارة الرئيس السيسي للخرطوم في نفس الشهر لتوقيع اتفاق اعلان المبادئ حول سد النهضة الأثيوبي.
بالإضافة إلى انعقاد اللجنة المشتركة بين البلدين وافتتاح معبر قسطل التجاري، ومشاركة الرئيس البشير في مؤتمر التكتلات الاقتصادية الافريقية الثلاثة في يونيو 2015 بشرم الشيخ ثم توالت الزيارات المباشرة.
والاتفاق على تكثيف وتيرة انعقاد اللقاءات الثنائية بين كبار المسؤولين من البلدين بصورة دورية للتنسيق الحثيث والمتبادل تجاه التطورات المتلاحقة التي يشهدها المحيط الجغرافي للدولتين".
وخلال القمم الثنائية التي جمعت بين قيادتي البلدين كان التأكيد دائما على علاقات الأخوة الأزلية والروابط المشتركة التي تجمع بين شعبي وادي النيل، وإدراكهما لأهمية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وأهمية تعزيز وترسيخ علاقات الأخوة، وتعظيم مساحات التعاون المشترك، بما يليق بأهمية العلاقات بين البلدين ويرتقى إلى طموحات الشعبين، ويتسق مع ما يجمعهما من تاريخ وعلاقات وطيدة، اجتماعية وثقافية وأيضا سياسية وأمنية واقتصادية.
وعلى الصعيد السياسي فقد أكدت مصر دوما على استقرار السودان، وأن أمن السودان هو جزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي، وفي إطار دعم مصر لدور السودان في محيطيها الاقليمي والدولي، رحبت مصر بجهود السودان في تحقيق السلام والاستقرار في جنوب السودان، وعبرت عن دعمها لتلك الجهود واستعدادها لتوفير مختلف السبل للمساعدة فى تنفيذ اتفاق السلام الذي وقع برعاية الخرطوم..
وعلى الصعيد الاقتصادي يعمل البلدان على اتخاذ كافة الخطوات لتفعيل المشروعات الاستراتيجية الكبرى التى تم الاتفاق عليها بين البلدين، بما فيها مشروعات الربط الكهربائي وخطوط السكك الحديدية، وهي المشروعات التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية فى العلاقات بين مصر والسودان، والتشجيع على تنفيذ المزيد من المشروعات الإنتاجية والخدمية المشتركة تحقيقاً للمنفعة المتبادلة بين الشعبين الشقيقين وتوفير المزيد من فرص العمل.
التعليقات