مصر والسعودية، هما قطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي، وعليهما يقع العبء الأكبر في تحقيق التضامن العربي، والوصول إلى الأهداف الخيرة المنشودة التي تتطلع إليها الشعوب العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي ؛ وعلى الصعيد الإسلامي والدولي، حيث يؤدي التشابه في التوجهات بين السياستين المصرية والسعودية إلى التقارب إزاء العديد من المشاكل والقضايا الدولية والقضايا العربية والإسلامية.
وتتسم العلاقات السعودية - المصرية بالقوة والاستمرارية وازدادت العلاقات التاريخية بين مصر والسعودية، رسوخا في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وترجمت في زيارات واتصالات لا تنقطع بين مسئولي البلدين، بغرض تعزيز علاقاتهما ودعمها في مختلف المجالات، فالتنسيق الكامل والتشاور الدائم هو سمة العلاقات بين البلدين؛ بهدف مواجهة كل ملفات المنطقة وأزماتها، وما يتعلق بها من تهديدات وتحديات، انطلاقا من فرضية أساسية، تقوم على الرفض التام لكل التدخلات الإقليمية في شؤون الدول العربية.
وتدعم مصر والسعودية المبادرات السياسية والحلول السلمية لكل أزمات المنطقة، في سوريا واليمن ولبنان وليبيا والسودان والأراضي المحتلة، وفقا لقرارات مجلس الأمن والمبادرات الإقليمية والمرجعيات ذات الصلة؛ بما يحافظ على استقرار هذه الدول ووحدة ترابها الوطني، ويضع مصالحها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار لشعوب هذه الدول، بمعزل عن التدخلات الخارجية.
شهدت العلاقات بين مصر والسعودية تطورا قويا منذ توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين عام 1926، فقد أيدت المملكة مطالب مصر الوطنية في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية، ووقفت إلى جانبها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، وفى 27 أكتوبر 1955 وقعت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين. خلال فترة الرئيس جمال عبد الناصر.
وفي عام 1956، وقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثي، وقدمت المملكة 100 مليون دولار إلى مصر، بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي. وفى 30 أكتوبر أعلنت المملكة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر.
في عام 1967، عقب العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن، توجه الملك فيصل بن عبد العزيز بنداء إلى الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها، وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود، واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر 1973، حيث أسهمت المملكة في الكثير من النفقات التي تحملتها مصر قبل الحرب، وقادت المملكة معركة البترول لخدمة حرب أكتوبر.
بعد الدور الذي قامت به السعودية، خلال حرب 6 أكتوبر، وصلت العلاقات بين البلدين إلى أبهى صورها، ففي 17 أكتوبر 1973 بعد الانتصار العسكري الذي حققته القوات المصرية على الجبهة في سيناء والقوات العربية بالأراضي المحتلة الأخرى، قرر العاهل السعودي الملك فيصل استخدام سلاح بديل عن البارود، فدعا إلى اجتماع عاجل لوزراء النفط العرب بالكويت، أسفر عن قرار عربي موحد بخفض الإنتاج الكلي العربي للنفط 5%، وخفض 5% من الإنتاج كل شهر، حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967.
أعلنت المملكة وقف بيع البترول للغرب لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وتبرع الملك فيصل بمبلغ 200 مليون دولار للجيش المصري، كما دشن العاهل السعودي الحالي الملك سلمان بن عبد العزيز، إبان حرب أكتوبر المجيدة، لجنة لجمع التبرعات لصالح الجيش المصري، دعما للمعارك والمجهود الحربي في مصر.
في أثناء حرب أكتوبر 1973 أصدر الملك فيصل بن عبد العزيز قراره التاريخي بقطع إمدادات البترول عن الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل؛ دعمًا لمصر في هذه الحرب، كما قام الأمير سلطان بن عبد العزيز بتفقد خط المعركة في أحد الخنادق على الجبهة المصرية
.
ومثلت العلاقات المصرية - السعودية في تلك الفترة ركيزة أساسية للعمل العربي المشترك، واتسمت بالحرص على مواصلة التشاور والتنسيق إزاء أزمات الشرق الأوسط ومشاكله، دفاعا عن قضايا ومصالح العالم العربي والإسلامي.
بعد تولي الرئيس محمد حسني مبارك حكم مصر 1981، استشعر العرب خطورة إبعاد مصر عن الصف العربي بسبب توقيع السادات اتفاقية "كامب ديفيد" مع إسرائيل. كان للملك سلمان بن عبد العزيز - الذي شغل منصب أمير منطقة الرياض في هذا الوقت - دور مشهود بالعمل في التقريب بين مصر والسعودية، وقد تم ذلك بـ"باريس" عام 1986، خلال لقاء صريح موسع تناول أبعاد العلاقة بين البلدين؛ مما دفع بالعلاقات بين البلدين إلى سالف عهدها.
وقام الرئيس مبارك بأكثر من 30 زيارة إلى السعودية، خلال الفترة من 1981 إلى 2007، التقى خلالها خادم الحرمين الشريفين لبحث واستعراض كل القضايا العربية والدولية، والمستجدات على الساحتين العربية والدولية، من خلال العلاقات الثنائية الوثيقة التي تربط البلدين.
إن استثمار اللغة الدبلوماسية الرصينة في التعامل والتي اعتمدها الرئيس السيسي والملك سلمان وولي عهده، في الكثير من القضايا والمواقف جمعت بينهم، باعتبارها أسلوبا مهما وناجحا في معالجة الكثير من قضايا المنطقة سواء في اللقاءات الثنائية أو أمام المحافل والأروقة الدولية أو خلال الاجتماعات المشتركة.
حيث تتكامل رؤى البلدان باعتبارهما أكبر قوتين عربيتين وإقليميتين فاعلتين، يربط بينهما تاريخ مشترك وطويل لخدمة القضايا العربية والإقليمية، حيث مثل الدور المشترك للبلدين عامل دعم وتوازن واستقرار لدول المنطقة بأسرها بعيدا عن سياسات الاستقطاب أو الاحتواء التي تنتهجها بعض القوى الكبرى أو تلك التي لديها مصالح وأهداف أو تحاول النفاذ أو السيطرة على مقدرات المنطقة.
اتسمت الرؤية المشتركة لقيادتي البلدين في كثير من المواقف والأحداث بالحرص المشترك على مصالح المنطقة والحفاظ على الأمن القومي العربي بمواصلة التشاور والتنسيق إزاء أزمات المنطقة دفاعا عن قضايا ومصالح الأمة.
وتطور العلاقات المصرية – السعودية، ينعكس بشكل إيجابي على الكثير من القضايا العربية والإقليمية، في ظل تشابك وتعقد الكثير من الموضوعات والمشاكل في دول المنطقة، بدءاً من الأوضاع في سوريا مرورا بما يحدث في ليبيا انتهاء بالوضع المتدهور في اليمن والعراق، فالتغول العدواني بالمنطقة يضع البلدين الكبيرين أمام مسؤولية كبيرة للحفاظ على أمن واستقرار هذه المنطقة.
تعد العلاقات المصرية - السعودية مثالا يحتذى في الكثير من المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو التجارية والصناعية والعسكرية والتقنية والطبية، من خلال العلاقات الثقافية والدينية، كما تتطابق رؤى البلدين وقيادتيهما تجاه قضايا مكافحة التطرف والإرهاب باعتبارها من أهم الأسباب التي تدفع المنطقة إلى هاوية الخطر بعيداً عن الأمن والسلم والاستقرار المنشود، حيث تكاتفت جهودهما، وقاما بتنسيق المواقف لمواجهة ذلك والوقوف بحسم وحزم ضد القوى والدول المحركة والداعمة له.
وساندت مصر الحق العربي المشروع في أعقاب اعتداء قوات صدام حسين على الكويت، حيث شاركت القوات المصرية في حرب تحرير الكويت انطلاقا من الأراضي السعودية.
ثوابت الموقف المصري والجهود المكثفة التي تبذلها مصر للتوصل لوقف إطلاق النار بغزة ولبنان، ومنع انجراف المنطقة لصراع إقليمي واسع النطاق، والحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة على خطوط عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
وزيارة الرئيس السيسي للسعودية ولقاءه بالأمير محمد بن سلمان ولي العهد تؤكد وحدة الموقف العربي وتعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وجاءت معبرة عن الثوابت المصرية القائمة على دعم الشراكة العربية.. والتنسيق المصري - السعودي ركيزة أساسية في دعم الاستقرار بالمنطقة.
وتمثل محطة مهمة في مسار العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وتأتي تجسيدا للرؤية المشتركة نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي وتعزيز التعاون الاستراتيجي في مختلف المجالات
وثوابت السياسة المصرية قائمة على دعم الشراكة العربية وتحقيق التنمية المستدامة، والتأكيد على الاعتزاز بالروابط الوثيقة مع المملكة العربية السعودية، والحرص على مواصلة البناء على ما تحقق من نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية والسياسية، بما يواكب تطلعات الشعبين.
وتعزيز الاستثمارات المشتركة، والإسراع في تدشين مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي، وإطلاق مشروعات في مجالات التكامل الصناعي، والطاقة الجديدة والمتجددة، والنقل والتطوير العمراني، وهو ما يعكس الرغبة الجادة في فتح آفاق تعاون غير مسبوقة.
بالإضافة إلى دعم مصر للمبادرات السعودية لحل القضية الفلسطينية، وعلى رأسها مخرجات مؤتمر "حل الدولتين".
والتأكيد على أن هذه الزيارة تعد ركيزة أساسية لتوحيد الصف العربي في مواجهة التحديات، وترسيخ الأمن والاستقرار بالمنطقة، وحرص القيادة السياسية المصرية على تعزيز التشاور والتنسيق مع الأشقاء في المملكة لتحقيق مصالح الأمة العربية وحماية أمنها القومي في ظل الأوضاع الخطيرة التي يشهدها الشرق الأوسط.
وهناك توافقا كاملا بين مصر والسعودية بشأن القضية الفلسطينية، حيث يتمسك البلدان بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية.
و التنسيق بين القاهرة والرياض يمتد ليشمل ملفات إقليمية أخرى مثل الأزمات في لبنان وسوريا والسودان.
وكذلك في ليبيا واليمن، حيث يعمل البلدان معًا من أجل تعزيز الاستقرار ومواجهة التنظيمات المتطرفة والتدخلات الأجنبية. والاستثمارات السعودية في مصر تعكس الثقة المتبادلة، ومصر باتت مركزا جاذبا للاستثمار بفضل بنيتها التحتية الحديثة.
التعليقات