نحن فى الربع الأخير من صوم الميلاد والذى يمتد إلى خمسة وأربعين يوماً، والصوم هنا ليس هدفه الأساسى الامتناع عن تناول كل ما يذبح، وإنما المراد منه تطهير النفس من ارتكاب الخطايا وتجنب كل ما هو شبه شر، الصوم المنتظم والصلاة المستمرة تنقى النفوس والأجساد وتملأنا بالروحانيات وتدفعنا إلى تأمل عظمة الخالق فى معجزاته والمعجزات لا تنتهى فهى تتحقق كل يوم وبكثرة لكنها تحتاج إلى عقل واعى يلتقطها وبصيرة قلب تستقبلها وغالباً تأتى فى لحظة لا يتوقعها أحد، وفى هذه اللحظة ستجد كل شىء قد تغير إلى الأفضل حسب السيناريو الإلهى، كيف ولماذا!؟ لا نعرف ولكن الإجابة تتلخص فى شخص الله الحنون الذى رأى عناءك وشعر بصبرك وأراد أن يكافئك.
وهذه اللحظة قد أتت من قبل لكثيرين فى الأزمنة القديمة فلم يخطر ببال أيوب البار أن الله سيرد له أضعاف ما فقد، ولم يتوقع يوسف أن تفتح له أبواب السجن ليصبح رئيس مصر، ولم يتصور موسى النبى أن الله سيشق له طريقا فى وسط البحر لكى يعبر منه، ولم يصدق دانيال أنه سينجو من مهاجمة أسود جوعانة.
ولم يدرك داود النبى أنه سيسقط جليات الجبار بحصاه فى يده، ولم يتخيل أب الآباء إبراهيم أنه سينجب ولداً وهو شيخ متقدم فى العمر وزوجته امرأة عاقر، وعندما انقطع رجاء لعازر من أرض الأحياء وأنتن لم يتوقع أن الله سيقيمه من بين الأموات، وأخيراً لم يخطر ببال العذراء مريم أنها ستنجب الرب يسوع من الروح القدس وهى لا تعرف رجلاً، وهكذا نرى أن كل ما لم يتوقعه البشر بحساباتهم الأرضية كان أسهل من الممكن لدى الله لأن غير المستطاع عند الناس مستطاع عن الله.
فلا يجب أن نفقد رجاءنا مهما حدث من حولنا وإنما نترك كل همومنا وأتعابنا على الله الذى خلص كثيرين وعند هذه الخطة حين نضع ثقتنا فى يده الحانية سنرى فى حياتنا عجائب لم نتوقعها لأن يد الله تعمل وبقوة. وتأمل معى هذه القصة القصيرة، كان هناك امرأة أرملة تسكن على شاطئ البحر وكانت تصنع كل يوم عجينة حمراء تستخدم فى سد التصدعات والشقوق فى مراكب الصيادين والتجار مقابل دينار تبتاع به طعاماً لصغارها وتحمد الله.
وذات يوم صنعت العجينة وذهبت بها إلى الشاطئ كالمعتاد وإذ بطائر يخطف العجينة ويطير بعيداً وظلت المرأة تبكى وتنوح وتتذمر على الله وتندب حظها وحظ صغارها وتقول لماذا يا رب؟ صغارى سيموتون من الجوع وأنا لا أملك إلا هذه العجينة، وأسرعت إلى حكيم القرية تستنجد به وتشكو إليه فعل الله، فنظر إليها الحكيم بابتسامة عذبة وقال «أنت لا تعرفين حكمة الله ولا تدبيره وترتيبه للأمور، الله يحبك أكثر مما تتخيلين وهو حنون لا يقبل الظلم»، وفجأة إذ بطرق شديد على الباب ودخل عشرة أشخاص يهللون ويصيحون ويحمدون الله الذى نجاهم من موت محقق، وقصوا عليه ما حدث.
إنهم عشرة تجار وكانوا يستقلون مركبتهم التجارية وفى عرض البحر تصدعت المركبة وبدأ الماء يتسرب إلى داخلها وكادوا أن يغرقوا وصرخوا إلى الله لكى ينقذهم وتعهدوا أن كل واحد منهم سيعطى مائة دينار للفقراء والمساكين وفجأة وجدوا طائرا يحمل بفمه عجينة حمراء وهى التى تعالج تصدعات المركب، فألقاها عليهم فى هدوء ونجوا وجمعوا ألف دينار وأعطوها لحكيم القرية ومضوا، فنظر الحكيم للمرأة وقال «أليست هذه هى العجينة الحمراء التى صنعتها اليوم لتحصلوا من خلالها على دينار هو قوت يومك.
تفضلى لقد دبر الله أن يشترى منك التجار العجينة بألف دينار بدلاً من دينار واحد، اذهبى وأطعمى صغارك وتأملى فى حكمة الله الذى يعطى بسخاء»، صدقت الآية التى جاءت فى رسالة يعقوب «احسبوا كل فرح يا إخوتى حينما تقعون فى تجارب متنوعة عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً وأما الصبر فليكن له عمل تام، لكى تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين فى شىء»، هذا هو الحق، فالذين تركوا كل شىء فى يد الله اعتادوا أن يروا يد الله فى كل شىء، قد لا نفهم فى بادئ الأمر حكمة الله فى تدبير حياتنا ولكن لابد أن نتأكد أنه أشد حناناً علينا من أنفسنا، الله لا يهملنا ولا يتركنا ولا ينعس ولا ينام وليس بعيداً عنا لأنه يراقب كل شىء ويختار الوقت المناسب لإتمام طلباتك وأمنياتك. فقط اتكل عليه واستمر فى ثقتك وصلاتك له وسيستجيب.
التعليقات