يدخل القانون التونسي الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، حيز النفاذ في النصف الثاني من شهر فبراير الجاري بعد أن صادق عليه مجلس النواب التونسي، واعتمده الرئيس الباجي قائد السبسي، ونُشر بالجريدة الرسمية.
وذكر تقرير لوكالة الأنباء التونسية اليوم "الجمعة"، في إطار ملف الخدمة الإعلامية النسوية لاتحاد وكالات الأنباء العربية "فانا"، أن القانون يهدف كما جاء في فصله الأول إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائمة على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك باتباع استراتيجية تقوم على التصدي لمختلف أشكال العنف بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم" ، وفقًا لوكالة أنباء الشرق الأوسط .
وجاء القانون للتصدي إلى ظاهرة باتت تثير الانشغال في المجتمع التونسي، وهى ظاهرة "العنف ضد المرأة" بأشكاله المتعددة وفي مناحي الحياة المختلفة، الأمر الذي دفع المجتمع المدني التونسي وخاصة الجمعيات والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة إلى دق ناقوس الخطر مستندة في ذلك إلى أرقام وإحصائيات أصدرتها جهات رسمية .
وبالفعل قام الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري (مؤسسة عمومية تتبع وزارة الصحة التونسية) سنة 2010 بأول مسح وطني حول تفشي ظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمع التونسي، شمل 4 آلاف عينة لنساء تتراوح أعمارهن بين 18 إلى 64 سنة موزعة على كامل أنحاء تونس.
وخلص هذا المسح إلى نتائج شكلت صدمة للرأي العام التونسي، وأثبتت أن هذه الظاهرة المسكوت عنها غالبا متفشية بالفعل في المجتمع، وأن امرأتين من بين 3 نساء يتعرضن للعنف، وأن نصف النساء التونسيات تعرضن له على الأقل مرة في حياتهن، كما كشفت الدراسة أن النسبة الأكبر لحالات العنف ضد المرأة تقع من مقربين في محيطها الأسري، وأن هذا العنف يعتبر من الأسباب الرئيسية للموت والعجز لدى النساء في الفئة العمرية من 16 إلى 44 سنة .
وقد دفعت هذه الحقائق المجتمع المدني في تونس لممارسة مزيد من الضغط على وزارة المرأة والأسرة والطفولة، لإعداد قانون لوضع الآليات الكفيلة بحماية المرأة ومساعدتها حال تعرضها لأي نوع من أنواع العنف، وأثمر هذا الضغط عن مشروع قانون أعدته الوزارة وأحالته إلى مجلس النواب للمصادقة عليه، وعقب مناقشات امتدت عاما كاملا في مختلف لجان المجلس واستيفاء النظر في كل بنود مشروع القانون، صادقت عليه الجلسة العامة بالإجماع بـ146 صوتا دون تحفظ أو اعتراض من أي نائب بالبرلمان التونسي.
وتعليقا على القانون ونقاط قوته وضعفه ، أعربت الناشطة النسوية التونسية يسرى فرواس عن تفاؤلها، إذ اعتبرت أن هذا القانون يعد خطوة كبيرة فى الاتجاه الصحيح نحو القضاء على التمييز بين الجنسين، وأنه أداة فعالة لمناهضة العنف ضد المرأة ويكافح ويعالج كل أشكاله.
ولفتت فرواس إلى أن القانون يحمّل مسئولية مناهضة العنف لكل مؤسسات الدولة والمجتمع، وأن أبرز نقاط قوته أنه استحدث آلية تمكن قاضي الأسرة من إصدار إذن الحماية بشكل فوري حال وقوع عنف واتخاذ جملة من الإجراءات لانتشال الضحية بصفة فورية، كما ينص القانون على عقوبات مشددة ضد المعتدى، ويكرس عدم الإفلات من العقاب.
من جانبها، لفتت بشرى بالحاج حميدة الناشطة الحقوقية وعضو مجلس النواب التونسي إلى أن إيجابيات القانون لا تعني خلوه من النقائص فالقانون نص على سبيل المثال أنه "يعاقب بالسجن مدة عشرين عاما مرتكب الضرب أو الجرح الواقع عمدا دون قصد القتل والذي نتج عنه الموت"، معتبرة أن العقوبات الجزائية في تونس أثبتت على امتداد 60 سنة فشلها، موضحة أن العقوبات البديلة تكون فائدتها أكبر على الدولة وعلى المعتدى .
وفي السياق ذاته، هناك آليات نص عليها قانون القضاء على العنف ضد المرأة لا بد من تفعيلها حتى يتم تطبيق القانون على أفضل وجه، ومن أهم الأليات التي استحدثها القانون (المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة) الذي تكون مهمته إعداد تقارير سنوية دقيقة عن حالات العنف في تونس .
بدوره، قال فيصل الصحراوي المسؤول عن برنامج دعم المساواة بين الرجل والمرأة التابع لوزارة المرأة والأسرة والطفولة التونسية، بأنه تمت صياغة المشروع الأولي للائحة عمل المرصد، وهي قيد المناقشة حاليا ، كما تم منذ المصادقة على القانون فتح ستة مراكز استقبال وإيواء للنساء ضحايا العنف في 6 ولايات وهي (جندوبة وتونس والقيروان وصفاقس وقفصة ومدنين)، بالاشتراك مع جمعيات محلية.
وأوضح أن وزارة المرأة خصصت الخط المجاني (1899) لاستقبال وتوجيه المكالمات الخاصة بالعنف المسلط على النساء وتخصيص وحدات أمنية لحماية الضحايا موزعة علي كامل أنحاء تونس، وتكليف فريق مختص يضم عناصر نسائية للتعامل مع هذه القضايا.
وعن جهود المجتمع المدني لمراقبة مدي التقدم في إنفاذ القانون، قالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منية بن جميع، إنه لا شك أن صدور القانون كان ثمرة لجهود كبيرة بذلها نشطاء المجتمع المدني عموما والجمعيات النسوية المدافعة عن حقوق المرأة خصوصا، إذ تم تشكيل ائتلاف يضم 60 منظمة ناشطة في هذا المجال من أجل ضمان أكبر قدر ممكن من الحقوق للمرأة التونسية.
وأضافت أن المجتمع المدني لعب منذ تسعينات القرن الماضي دورا جوهريا ومحوريا في الضغط على الحكومة للالتزام قانونيا بمناهضة العنف ضد المرأة بجميع أشكاله وهو ما مهد لصدور قانون "مناهضة العنف ضد المرأة" الذي كان ثمرة عدة تراكمات بدأت ببعض التنقيحات الجزئية لعدد من فصول المجلة الجزائية.
وتابعت أن المجتمع المدني التونسي يظل له دور مهم في مراقبة مدى التقدم في تطبيق القانون والتنبيه إلى الإخلالات والتجاوزات التي قد تطرأ عند اصطدامه بأرض الواقع، كما أن الإعلام مدعو بدوره وبنص القانون إلى المساهمة في هذا الجهد، إذ جاء في الفصل 11 من قانون القضاء على العنف ضد المرأة "تتولى وسائل الإعلام العمومية والخاصة التوعية بمخاطر العنف ضد المرأة وأساليب مناهضته والوقاية منه وتحرص على تكوين العاملين في المجال الإعلامي على التعاطي مع العنف المسلط على النساء فى ظل احترام أخلاقيات المهنة وحقوق الإنسان والمساواة ويمنع الإشهار وبث المواد الإعلامية التي تحتوى على صورة نمطية أو مشاهد أو أقوال أو أفعال مسيئة لصورة المرأة أو المكرسة العنف المسلط عليها أو المقللة من خطورته وذلك بكل الوسائل والوسائط الإعلامية".
التعليقات