حصل فيلم (EO) على جائزة النقاد العرب للفيلم الأوروبى، التي يمنحها (مركز السينما العربية)، بقيادة الباحث السينمائى الدؤوب علاء كركوتى، أعلنت الجائزة على هامش مهرجان القاهرة السينمائى، وهو من الأفلام التي حظيت بمكانة جماهيرية وفنية عالية، منذ عرضه مايو الماضى بمهرجان (كان)، تميزت هذه الدورة بعدد كبير من الأفلام التي توهجت بسحر السينما فأشعلت مشاعرنا.
البحث عن فكرة هي دائما نقطة البداية في كل أنواع الفنون، وعندما يمتلك المبدع موهبة التحليق بعيدًا عن الصندوق الدرامى المتعارف عليه، يسجل هدفا لصالحه، إنها ما يطلقون عليه لغويًا (براعة الاستهلال)، وهكذا انطلق الفيلم البولندى (إيو) عندما رأينا الدنيا بعيونه، أقصد الحمار الطيب (إيو)، EO.
الشريط السينمائى يقع في قالب درامى شهير (سينما الطريق)، أي أن البطل يتحرك من مكان إلى آخر وطوال الرحلة نتورط معه في دوائر متعددة، وهو ما يمنحنا مشروعية تحليل المجتمع، البوصلة التي يحركها البطل هذه المرة في الفيلم البولندى الإيطالى المشترك هو الحمار (إيو)، لنرصد الحياة بعيونه، يعتمد المخرج على توظيف نظرات الحمار، لكى تنقل لنا بالمونتاج العبقرى الحالة بكل تنويعاتها الاجتماعية والسياسية والنفسية، كانت عيون الحمار التي نتابعها في لقطات قريبة معبرة بذكاء من المخرج البارع في توظيف اللحظة، لأنها دائما مشحونة لتقديم إجابة لتساؤلات داخل المتفرج.
المخرج البولندى جرمى توماس اعتمد على قدرته في التقاط التعبير الموحى، كثيرًا ما شاهدنا الحمار في أفلامنا وبينها (أربعة في مهمة رسمية) لعلى عبدالخالق، وكان الحمار أحد أفراد تلك المهمة، مشاركا أحمد زكى البطولة، هذه المرة الأمر مختلف، الحمار هو البطل، التتابع السينمائى هو معادل مرئى ومسموع ومحسوس لما يراه الحمار، الذي يضفى بهجة وشجنًا من خلال نظرات عيونه.
فصيلة الحمير يمنحون الكثير للبشر بدون انتظار مقابل، يعتقد البعض أن سعد الصغير هو أشهر من غنى للحمار (بحبك يا حمار)، الحقيقة أن شادية فعلتها قبله عندما داعبت حمارها قبل 70 عاما قائلة (شى ياحمارى/ حا ياحمارى/ قلبى عليك/ من طول مشوارى)، والحمار الأكثر شهرة قطعا حمار جحا، والأكثر احتراما حمار الحكيم.
بينما الحمار البولندى فأنا أراه سيحتل مكانة متميزة لخصوصية الفيلم، النقطة الساخنة بدأت مع قرار إدارة السيرك للاستغناء عن الحيوانات، استجابة لضغوط جمعيات الرفق بالحيوان ومنظمات أخرى تعتبر عمل الحيوانات مخالفًا للدساتير في العالم كله، خاصة أنها تتعرض للأخطار بسبب الألعاب النارية التي تشارك فيها، كما أنها مقابل حصولها على الغذاء تفقد حريتها، وهكذا يتغير حال الحمار البطل من الاعتماد على الغير في توفر المأكل والمبيت، ليصبح مسؤولا عن نفسه، وهو أيضا ما يرسم هامشا موازيا لما يشعر به المتلقى أثناء مشاهدة الفيلم.
المخرج لجأ كثيرا إلى الموسيقى لتتولى هي الحديث عما تقوله عيون الحمار، لتنقل لنا مشاعره وأحلامه وأيضا إحباطاته، تلك هي اللمحة الخاصة التي تمنح الفيلم مذاقه الخاص، الشاشة تفيض بهجة رغم مساحات الشجن، والمخرج حافظ على تدفق الإيقاع الضاحك والشجى في آن واحد.
تعودنا مع كلمة النهاية لكل مهرجان أن يظل بداخلنا ومضات من أعمال فنية تبقى قادرة على الصمود طويلا، لأنها ببساطة تشاهدنا قبل أن نشاهدها، وعلى رأسها قطعا (EO) الذي انتقل من مهرجان (كان) لمهرجان (القاهرة) مكللا بجائزة هناك وهنا!!.
التعليقات