صدرت الطبعة الثانية من كتاب حكايات زواج العباقرة والمشاهير عن الدار المصرية اللبنانية لمصطفي نصر، يحكي الكتاب عن دقائق تفاصيل زيجات المشاهير، يقصّ الحكاية فيشعرك أنك داخلها، لا يروي الحدث كتاريخ حدث وانتهى، إنما هي قصة حيَّة تتحرَّك، كأن ما حدث من زمن يحدث أمامك في تتابع درامي كشريط سينمائي، إنه يكتب الحكاية بروح السيناريو. لقد جمع الموضوع الواحد؛ فتقرأ كتاباً منفصلاً متصلاً، موضوع واحد وزيجات متعددة، روح واحدة وقصص متفرقة.
مصطفى نصر
زواج مشاهير العرب
يتجوَّل بنا عبر زيجات عربية شهيرة: ديك الجن، شجرة الدر، محمد علي، زواج ملك حفني ناصف باحثة البادية من رئيس قبيلة في الفيوم، زواج فاطمة رشدي من عزيز عيد رائد النهضة المسرحية الحديثة في مصر ثم زواج نجيب الريحاني من بديعة مصابني. ولا ينسي أن يُذَكِّرنا بزواج قطر الندى ابنة خمارويه، حاكم مصر من المعتضد – الخليفة العباسي في بغداد – تلك الزيجة التي خربت خزائن مصر وأنهت الدولة الطولونية.
صراع حضارات.. صراع طبقي
علي فهمي ابن مقاول غني جدًّا، تزوج من فرنسية جاءت تزور مصر للعلاج، فأساء معاملتها، فقتلته في لندن، وبرَّأتها المحاكم الإنجليزية، علَّقت الصحف الأورُبية على الحادث، واعتبرته صراعًا بين حضارة متقدِّمة تمثلها الزوجة، وحضارة متخلِّفة يمثلها علي فهمي، وعلَّقت الصحف المصرية على الخبر، ودافعت عن الحضارة المصرية، وصوَّر محمد بيومي – رائد السينما المصرية – فيلمًا تسجيليًّا عن وصول جثمان علي فهمي، وورثت عائشة – أخته – ثروة كبيرة بعد موته، فتزوجت يوسف وهبي ثم تزوجت، بعده، محمود شكوكو لبعض الوقت.
أما الصراع الطبقي فنراه في زواج الشيخ علي يوسف من صفية ابنة الشيخ السادات، صاحب ورئيس تحرير جريدة «المؤيد»، تلك الزيجة التي أذلَّت علي يوسف، وفرَّق القاضي الشرعي أبو خطوة بين الزوجين، لأن غِنَى الزوج، وقت الزواج، لا يمحو عار فقره القديم، كما أنه يعمل "جورنالجي" وهي مهنة محرَّمة شرعًا، لأنها تتبَّع عورات الناس، والدين يأمر بألا تجسسوا.
وإمعانا في إذلال الشيخ علي يوسف، طَلَبَ والد صفية منه أن يأتي لطلب زواجها من جديد، وتقبَّل الإذلال ووافق على شروطه، فقد كان مولعًا ببياض بشرتها وامتلاء جسدها، وتزوجها واكتشف أنه أَتْعَب نفسه دون فائدة، فقد نغَّصت عليه حياته، لدرجة أنه كان ينام في مقر الجريدة، وبعد موته تزوجت أحد أبناء فرقة عكاشة.
الشيخ علي يوسف و صفية السادات
ديك الجن والخيانة المدبرة
ديك الجن يحب ورد، وهي تحبه، وكل ما يريدانه أن يجمعهما بيت واحد، لكنه لا يملك المال، عَرَضَتْ عليه ورد أن يقترض من أبي الطيب، ففعل ديك الجن؛ إرضاءً لورد، لم تخبره ورد بأن أبا الطيب واحد من راغبي الزواج منها، وأنه يلح على والدها في ذلك، لكن الوالد كان يرغب في ديك الجن لأنه يعرف أن ابنته تحبه. أبو الطيب يقاسي من حب ورد، وعندما ذهب ديك الجن لأبي الطيب وطلب منه أن يقرضه المال من أجل أن يتزوج ورد، وهو لا يعلم حقيقة مشاعر أبي الطيب، وبحكم الصداقة أعطاه النقود متمنيًا ألا يتم الزواج.
تزوج ديك الجن وسافر بعد الزواج بقليل إلى حماة، ليحضر مالا من هناك ليدفع ديونه، وفي ذات الوقت كان قلب أبي الطيب يشتعل حباً، فأراد عامر صديقه أن يقدم له خدمه فنشر أن ورداً تحب عامر، وسمع ديك الجن بذلك حين عاد، اقترب منه رجلان، تحدثا معًا وهو سائر قريبًا منهما: (- هل أنت واثق أن وردًا هذه قد أحبت عامرًا؟ - الكل في حمص يتحدثون عن ذلك. يقولون إنها لم تحفظ عهد زوجها الشاعر، انتظرت سفره ليخلو لها الجو مع عامر هذا.- أؤكد لك أنها هي التي حرضته على السفر. شد ديك الجن أحدهما إليه وصاح فيه:- ماذا تقول؟ دفعه زميله الآخر:- ما لك يا رجل؟! إننا نتحدث عن أحداث وقعت بعيدًا عن هنا. قال ديك الجن- أعرف ورد هذه التي تحكيان عنها. سخرا منه وضحكا: كيف يا رجل؟ إنها تعيش في حمص. أسرع الرجلان بعيدًا و ظل هو يراقبهما مندهشًا وشاردًا.) ص 15
عاد ديك الجن إلي ورد، اقتربت منه جزعة عليه، ماذا حدث له في حماة؟ لقد خرج سعيدًا وكله أمل ورغبة في الحياة. هل سَرَقَ اللصوص ما معه من نقود وهو عائد إلى حمص؟ دفعها عنه صائحًا:
(- أنتِ همي وعذابي، سافرت من أجل أن أسعدك، وعدت من أجلك.- أين أشياؤك؟- مَن عامر هذا الذي يحكون عنه؟- لا أعرف أحدًا اسمه عامر.ودق الباب وهما يتحدثان، أسرعت لفتحه، فصاح الذي بالباب: افتحي يا ورد، أنا عامر، أسرعي بفتح الباب قبل أن يراني الناس. نظرت ورد إلى الباب وإلى زوجها مندهشة، صاح ديك الجن:-افتحي له، ماذا تنتظرين؟!-صدقني، لا أعرفه.) ص 17
لكن ديك الجن لم يسمع سوى صوت غضبه الجامح، فهجم عليها وخنقها بيديه، وهو يصرخ من الصدمة والألم. لقد فعلها ابن عمه أبو الطيب، أوهمه بأنها تخونه، حتى قتلها، هذه الحكاية تشبه مأساة عطيل لشكسبير، فربما يكون شكسبير قد وصلت إليه الحكاية من الأوربيين المسيحيين واليهود الذين ذهبوا إلى بيت المقدس للحج. فقصة ديك الجن كانت مشهورة في حمص والمدن المجاورة لها، كما أن الكثير من الصليبيين أقاموا في بلاد الشام، وقصة ديك الجن وصلت إلى أسماعهم، فحكوا عنها في بلادهم عند عودتهم إليها.
مرجانة تنتقم
الجارية التي سيطرت على قلب وعقل سيدها نجم الدين أيوب، شجرة الدر، ترك كل عشيقاته وزوجاته من أجلها، هناك جارية أخرى اسمها مُرجانة كانت مولعة بحب نجم الدين أيوب، تنتظر عودته من سفره ليتزوجها، لكنه عاد ومعه زوجة كانت جارية له اسمها شجرة الدر، فدفعتها غيرتها لقتل ابن شجرة الدر الوحيد من نجم الدين أيوب، ظل كرهها لها يزداد حتى بعد موت نجم الدين أيوب، وزواج شجرة الدر من عز الدين أيبك، فَحَرَّضَتْ "أم علي" زوجة أيبك الأولى على قتلها، بل وشاركت في ضربها بالقباقيب حتى الموت.
محمد علي.. عاشق محروم
محمد علي، الفقير اليتيم، الذي يرتدي الملابس المهترئة ويجمع نقوده القليلة معتمدًا على جسده القوي وجرأته النادرة، كما أنه لم يتلقَّ تعليمًا، تراه ابنة شقيقة والي قَوَلة، أمينة المتزوجة من رجل لا يحسن معاملتها، لقد حذره والدها من مغبة ذلك دون طائل، حتى إنها عادت بطفلها الصغير إبراهيم، مُصِّرة على طلب الطلاق منه. تعلَّق قلبها بمحمد علي، وتركت زوجها من أجله. قال له عثمان صديقه أن أمينة ابنة عمته معجبة به (تضاحك محمد علي؛ لأنه لم يفهم ماذا يقصد عثمان، قال عثمان- هي تريدك زوجًا بدلًا من ذلك الذي يسيء معاملتها، لا أخفي عليك، فوالدي مرتاح لهذا الحل) ص 49
أحسَّ محمد علي بالارتباك، بماذا يجيب على عرض مثل هذا؟ امرأة جميلة، ذات مال وفير وحسب ونسب، يعرضونها عليه، من الذي يعرضها؟! خالها والي قَوَلة وابنه. اعترف محمد على لعثمان بأن قلبه مشغول بحب فتاة اسمها جوهرة ابنة شيخ بروستا. تستمر الحكاية ونعلم أن خسرو عَشِقَ جوهرة حين رآها وأراد ان يأخذها لنفسه، فأَلْقَتْ جوهرة نفسها من فوق صخرة حتى لا تكون من نساء خسرو، فقد كانت تحب محمد علي، وسقط محمد علي مغشياً عليه عندما ضربه رجال خسرو ولمَّا عَلِمَ أن جوهرة ماتت لم يجد مفراً من أن يتزوج أمينة، ومعها ابنها إبراهيم ثم انتقل بها إلى مصر؛ ليكون واليًا عليها، لكن هذا لم يمنعه من الزواج مَرَّة أخرى من امرأة غيرها!
التعليقات