حين غَزَاني الجوع دخلتُ مطعم الأسماك فَشَدَّني مقعد موضوع عليه صورة كبيرة، امتلأتُ رغبة أن أجلس إلى هذه المِنْضَدة؛ حيث أنها كانت الوحيدة التي بها مقعد وحيد عال جداً ولونها مغاير لكل المناضد.
شعرتُ أن عيوناً تَتَرَصَّدني وبدأت حركة قلقة حولي، إذ إنِّي لاحظت أن الرَّجل الجالس وراء المكتب والذي يبدو أنَّه صاحب المطعم انتفض وترك الشِّيشة من يده وخطا نحوي بسرعة.
حين مَدَدْتُ يدي لأرفع الصُّورة لأضعها على الأرض وأجلس، كلبشتْ أصابع الرَّجل يدي وقال بحزم: “لا، محجوز″. ابتسمتُ وقلت: “يمكنه أن يجلس إلى مِنْضَدة أخرى حين يجيء”. قال: “لا، هذا مكانه”.
مِلتُ بوجهي لأرى الصُّورة فوجدته المسيح فابتسمتُ وقلت للرجل: “متى سيأتي؟!”. قال بِجِدِّ صارم: “هو يتناول غذاءه يومياً على هذا المقعد وهو الذي يحدِّد موعد مجيئه”. قلت: “أنا أعرفه”. قال: “إِذَنْ، أترك المِنْضَدة”.
رفعتُ يدي من فوق الصُّورة وتأخرتُ خطوة فانحنى الرَّجل قليلاً واعتذر للصورة وذهبتْ تشنجات وجهه وأجلسني على مائدة مواجهة للمسيح، ولاحظتُ أن كل رواد المطعم يعرفون أن هذا المقعد محجوز، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منه.
جلستُ لآكل طعامي وعيني لم تتحرَّك عن الصُّورة، انتابتني رِعْدَة حين رأيته قادماً من بعيد، حين رآه الرَّجل طَفَت على وجهه فرحة طفولة العَالَم وجرى إليه وقَبَّله ووضع الصُّورة جانباً وظَلَّ يضع له أطباق السَّمك بنفسه والمسيح يبتسم.
ذهبتُ لأدفع حسابي فرفض الرَّجل بشدَّة وقال: “هو دَفَعَ الحساب”. كدتُ أُصِر على دَفْع حسابي، لكن ابتسامة المسيح جعلتني أضع النقود في جيبي وخرجتُ على استحياء وأنا أتأمله وهو يأكل بهدوء الملائكة.
التعليقات