خمسة عشر يوما منذ بدء الاشتباك بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو، في الخرطوم عاصمة دولة السودان الشقيقة، وامتد الاشتباك قصفا بالقنابل وهدما للمنازل وزهقا للأرواح ونزحا للسكان إلى ولايات سودانية أخرى مثل دارفور.
بالنظر إلى تاريخ الدول الكبرى في المنطقة العربية صاحبة الحضارة والتقدم إلى زمن ليس ببعيد حيث انتهى بها الحال بالخراب والشتات كالعراق وليبيا، فلا استغراب مما يحدث في السودان الآن، مادامت تسلك الطريق نفسه.
الميليشيا أو التنظيم المسلح فكرة ليست من ابتكار العرب فهناك الكثير من الفئات والجماعات والطبقات النبيلة في كثير من دول العالم كونت جيشا بقيادة مدني يضم جنودا غير محترفين ويتم الاعتراف به والاستعانة بجهوده في أوقات الحرب ومن أشهر أمثلته هم الساموراي والفرسان الذين ظهروا في بداية القرن العشرين.
توجد الآن الميليشيات بصور مختلفة فهناك التابع منها إلى الجيش النظامي للدولة أي تحت قيادته كما في الصين وسويسرا، وهناك منظمات مسلحة تابعة لأحزاب أو حركات سياسية، وهناك قوات دفاعية يتم تكوينها من قبل مواطني منطقة سكنية أو جغرافية محددة كميليشيا قوات الدعم السريع أحد طرفي النزاع القائم الآن في السودان.
جاء الصراع بسبب الرغبة في ضم قوات الدعم السريع إلى صفوف الجيش السوداني تحت قيادة واحدة وهنا كانت الإشكالية؛ حيث طالب جنود قوات الدعم السريع بأن يكون القائد هو محمد حمدان دقلو بدلا من البرهان. وفي يوم السبت ١٥ إبريل أعلنت قوات الجيش السوداني عن انتشار قوات الدعم السريع بأنحاء العاصمة رغبة في السيطرة عليها فشرعت بالضرب في الحال.
ما لفت الأنظار أكثر من بدء المناوشات هو قيام قوات الدعم السريع بنشر فيديو لجنود مصريين بداخل قاعدة ملوي العسكرية؛ ادعت فيه أنهم محتجزون بعد أن استسلموا لهم، وسرعان ما أعلنت قوات الدعم السريع أسفها عن الفيديو المنشور على صفحاتها منسبة ذلك الخطأ إلى عسكريين صغار موضحة أمان الجنود المصريين ونية تسليمهم إلى مصر عند هدوء الأوضاع.
بعد تدخل دولي أعلنه القائد العام للقوات المسلحة في صباح يوم الجمعة ٢٨ إبريل من الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد، والآلية الرباعية التي تضم السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وموافقة كلا من طرفي النزاع على الهدنة الخامسة، لم يتغير الحال ولم يقف ضرب النار حيث أكد الجيش السوداني أنه: "لا حوار قبل حل وتفتيت ميليشيات حميدتي."، كما أعلن حميدتي قائلا رغم انهزامات قواته في بعض المواقع "إن الحرب كر وفر ولا سيطرة للجيش حتى الآن."
وفي مثل هذه الحالات الصعبة التي تعيشها البلاد لا يعاني إلا الشعب؛ فكما قال رجل سوداني لمراسل إحدى القنوات "الحرب حربهم وليست حربنا" فالحزن هنا على معاناة السودانيين حيث هدم البيوت وقتل الأبرياء، حيث انقطاع الكهرباء والماء، ونقص الغذاء والخدمات الصحية، حيث فرار السودانيين إلى حدود الدول المحيطة كمصر وجنوب السودان وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، مع توقع الأمم المتحدة بزيادة عدد النازحين إلى ١٠٠ ألف سوداني فارين بأرواحهم.
وإن أصعب الشدائد هي ترك الأوطان بلا أمل في عودة قريبة كانت أم بعيدة.
التعليقات