على الطريقة العربية تأتي معظم الزيجات بأبناء معقدين نفسيًا واجتماعيًا بعد ما شاهدوه من تعقيدات قدمتها لهم أسرتهم الصغيرة، وأما التعقيدات التى تقدمها الأسرة الكبيرة (المجتمع) فلن نقترب منها الآن وإن كانت كافية لأن تقتل بداخل أولادنا جزء كبير من طموحاتهم.
ومعظم التعقيدات التى تقدمها الأسرة الصغيرة للأبناء تعود إلى طبيعة العلاقة المضطربة بين الأب والأم، وهذه العلاقة مضطربة فى الأساس، لأنها بُنِيت على خطأ، أو بُنِيت على أساس واهٍ هش.
والاختيار الخاطئ هو سبب فشل كثير من العلاقات الزوجية وإن استمرت، وهو سبب كثير من حالات الطلاق التى فاقت كل تصور ( فقد بلغت حالات الطلاق فى مصر عامي 20 / 21 وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 476813 – بينما ذكرت جريدة البيان التابعة لمؤسسة دبي للإعلام أن تقارير إحصائية في السعودية كشفت عن زيادة غير مسبوقة في معدل حالات الطلاق خلال عام 2022، وصلت لـ168 حالة يوميا، بواقع 7 حالات طلاق في كل ساعة، وبمعدل يفوق الحالة الواحدة كل 10 دقائق – وبحسب معهد الإحصاء الحكومي التونسي، سجلت تونس أكثر من 16 ألف حالة طلاق في العام 2022، رغم صعوبة الانفصال وضرورة بحث المحكمة لملابسات كل قضية على حدة، مما يستغرق وقتا طويلا، خصوصا إذا ارتبطت بالعنف الأسري، وآثاره السلبية على الأبناء). وعلى نفس الوتيرة مختلف البلدان العربية، ويجب ألا نهمل النسبة والتناسب بين هذه الأرقام والتعداد السكاني لكل دولة.
والسبب الرئيسي في علاقات الزواج الفاشلة سواء استمرت تحت ضغط الظروف الاجتماعية أو انتهت بالطلاق هو "عدم التوافق"، ولن أقول عدم وجود "الحب" بين الطرفين، فقد لا يتواجد الحب في وجود توافق، وعدم التوافق سببه الاختيار الخاطئ، إنه اختيار "إجبار".
والإجبار هنا.. إن لم يكن إجبار الأسرة، فهو إجبار الظروف المادية، الاجتماعية، وإجبار البحث عن الشكليات.. إلخ
والمشكلة الحقيقية في زواج خاطئ .. (بل وتزايد مشكلاته حد الكارثة) .. هي استمرار هذا الزواج، والأمثلة كثيرة ونشاهدها جميعًا حولنا، والضحية – بعد الزوجين –
الأبناء بطبيعة الحال. واستمرار زواج بُني على خطأ يعني استمرار صناعة المشكلات والأزمات والتعقيدات، يعني استمرار إنجاب أطفال لن يكونوا أسوياء، إلا مَن رحم ربي.
ومثال حي شاهدتُه عن قُرب أذكره للتدليل، حيث تم الزواج على أساس واهٍ، تعارف سطحي، ينبهر فيه الشاب بجمال فتاته، بينما هي تريد بأي شكل أن تخرج من إطار الطفلة التى تقع تحت رعاية أبوين الله وحده أعلم بهما، تريد أن تكون هى سيدة منزلها، ويتم الزواج لتُفاجئ الفتاة بأنها ليست سيدة منزلها وأنها كانت تحلم فقط، واستيقظت على زوجها طوع بنان والدته، ويصحو الشاب على أن جمال زوجته قد تحول إلى سلاح تبارزه به، علاقة زوجية خاطئة يجب أن تنتهي، لكن الطفل الأول في الطريق.. فماذا يفعلون؟!
تأتي جهود الإصلاح ولم الشمل.. فلا مجال الآن إلى الحديث عن الانفصال أو أي خلافات.. لابد أن يهدأ الجميع من أجل الطفل القادم.
وتمر الأيام.. ويأتي الطفل.. أساس الزواج الخاطئ هش ولا استقرار على الإطلاق.. والحل الأمثل هو الطلاق.. !!
لكن لا .. ليأتي طفل آخر.. وقتها تهدأ النفوس وينصلح حال زيجتهم التى لم يشعروا بها حتى اليوم.. ولا يجب أن يتحدث أحد عن الانفصال أو عن مشكلات يتعرض لها الأطفال..!!
وتمر السنوات حتى يأتي الطفل الثالث والرابع والخامس ..!!
ولم تشعر الفتاة بأنها تزوجت بعد .. !!
ولم يشعر الشاب بأنه عاش عدة أيام متصلة كرب أسرة حقيقي ..!!
وما كان من ضغط الظروف غير استمرار زواج بدأ خطأ.. والآن فقط.. بعد كل هذه السنوات، صرخت الفتاة بأنها لن تستمر مهما كانت النتائج، فماذا تم؟!
تم الطلاق ..
أخيرًا ..
ولأنها تمتلك سلاح خاص (جمالها) استطاعت الزواج .. لكن هذه المرة زوج اختارته بعناية لتعيش معه أحلى أيام عمرها كما تقول خاصة وأنها لم تتخطى الـ 35 بعد.
والزوج ؟
بدأ من جديد مع زوجة أخرى ..
والأولاد؟!
بالطبع هم الضحية .. وإن كان الأب والأم يبذلون قدر استطاعتهم لاحتوائهم والمرور بهم من فوق هوة أسفلها مخاطر ونيران مشتعلة.
جزء كبير من خطأ الزيجات الفاشلة، يقع على عاتق الأهل الذين يجبرون الأبناء على زيجات بعينها، أو يقع أيضًا على عاتق الأهل الذين لم يوضحوا لأولادهم أبعاد الأمور والسلبيات والإيجابيات في مرحلة الاختيار.
مرحلة "الاختيار" ليست سهلة ولابد من التفكير ودراسة الأمر بشكل دقيق، وفترة "الخطبة" خُلِقت لهذه الدراسة عن قرب، وإذا ظهرت بعض العقبات أو المشكلات أو كُشِفت الخبايا.. يجب إنهاء هذه الخطبة فورًا..
وخطبة فاشلة أفضل ألف مرة من زواج فاشل، ولقب مخطوبة تم فسخ خطبتها أفضل من لقب مطلقة، ومطلقة بلا أولاد أفضل من مطلقة بأولاد.
أي: الخروج بأقل الخسائر هو أفضل الأوضاع، وليتنا، في عالمنا العربي، نبحث عن المكاسب وليس أقل الخسائر.
التعليقات