يولد الطفل وهو أعزل خالي الوفاض، قابل لأي تشكيل بناء أو هدم، إذا تُرك لفطرته لخرج إلى الدنيا سليما معافيا قادرا على الهجوم والدفاع وتوفير متطلباته الحياتية بطريقة سلسة بعيدة عن أي ضغط نفسي.
تتشابه صفات الإخوة لتعرضهم إلى نفس ظروف المعيشة وطريقة التربية، لعامل الجينات دور ولكنه ليس بفعال بدرجة تأثير الحياة، فلو كان الأمر متوقفا فقط على علم الجينات لما تشابهت صفات الشعب الواحد، أصحاب مناخ واحد وعادات وتقاليد ورؤى واحدة.
يذهب الكثير من الأطباء النفسيين إلى حقيقة أن كل ندبة في قلوبنا تعود إلى الطفولة ولو ظننا وهما أنها لجرح جديد، كما يرفضون فكرة الاختلاف الجوهري بين طباع البشر، فالأصل واحد وما يشذ عنه فهو حتما ناتج عن مشكلة، من الطبيعي أن يكون الطفل مخربا مثلما يُقال، فذلك التخريب من وجهة نظره هي محاولة لاستكشاف بواطن الأمور وماهية الأشياء، وعدم تطلعه إلى هذا يُعد مشكلة لها سبب، من الطبيعي أن يطلب الطفل من أستاذه الإجابة على السؤال الذي وجهه إلى الطلاب إذا كان على دراية بالإجابة، فعندما يدَّعي عدم المعرفة حتى لا يصعد على المسرح وحتى لا ينظر إليه أحد، فهنا تكمن المشكلة، فلا وجود لخجل بدون سبب، يوجد الحياء وهو صفة محببة تحلى بها الأنبياء والرسل، ويوجد الخجل عند ارتكاب ذنب وهذا يدل على وجود ضمير حي واعٍ، ولكن خجل بلا ارتكاب ذنب وبلا وجود ما يدَّعي ذلك فهو مرض.
من الطبيعي أن يتحدث الطفل عن كل ما يراه، ومن الطبيعي أن يقول الحقيقة ولو كانت ستعرضه أو ستعرض غيره لموقف محرج، لأنه لم يكون بعد فلاتر أو منقيات الحديث، ويجب أن يُترك حتى يصل إليها بنفسه، فإذا حدث ذلك في وقت أبكر؛ سيصبح الأمر أسوأ، فإما سيتعلم الكذب والخداع حتى ينجي نفسه وغيره، أو سيصمت إلى أجل غير مسمى.
للتربية دور كبير في انتقاء صفات البشر بين القوة والضعف، القيادية والانقياد، حرية التعبير والاستماع غير المشروط، القدرة على اتخاذ قرار وتنفيذه، واللجوء إلى أحدهم عند اختيار لون حذاء جديد.
ولكنها ليست النهاية، من الجميل أن تخرج الأطفال إلى الدنيا أسوياء ولكن هذا لا يضمن بقاءهم على ذلك، ومن المحزن أن تخرج الأطفال حاملة لكثير من المآسي والندب ولكنها ليست مضطرة على البقاء عليها طوال الحياة.
يظل السوي طفلا إلى أن يتعرض لاختبار حقيقي، ويمكن أن يكون هذا الاختبار بمثابة نقطة التحول بالنسبة له إذا لم يُحصن نفسه جديا، إذا لم يدرك حقيقة كونه سويا وحقيقة وجود الكثير من غير الأسوياء حوله قبل أن تلقنه الدنيا هذا الدرس، ومن الصعب ولكنه ليس من المستحيل أن يتخلص صاحب الندبة من ألمه، فبعض الجروح تتطلب إعادة فتح وتنظيف حتى تلتئم ولا تترك أثر، ولكن هذا لن يحدث إلا بمعرفة مكان الجرح بدقة، معرفة مشكلتك والاعتراف بها ومعالجتها هي مسئوليتك وحدك لراحتك وراحة من حولك.
الكثير ينجب ولكن القليل يربي، فالتربية ليست بالإطعام والتعليم فهذه مجرد رعاية، التربية أسمى من ذلك بكثير، التربية هي ما تجعل الإنسان إنسانا، التربية هي المرجع الذي يحمله الإنسان متسلحا بما فيه طوال حياته، ويظل العملي أفضل من النظري فالطفل يأخذ ما يراه أكثر مما يؤمر به، فالأسد لا ينجب إلا أسودا.
التعليقات