دائما ما أرى أن اللغة العامية المصرية أكثر ما يستحق الاهتمام والتفكير في أدق تفاصيلها، فأشهر تعبيراتها وأمثالها الشعبية لم تأتِ من فراغ، ولم تكن مجرد خلق حديث لتكملة الحوار أو إحداث قافية، فكل تعبير أو مثل شعبي يُظهر جزءا من اعتقاد أو رؤية اجتمع عليها كل المصريين وليس الأغلبية.
عندما يخطئ أحد في حق شخص ما أو في معلومة أفتى بها؛ يبرر موقفه ويقول: "هو أنا غلطت في البخاري" .... رغبة منه في تصغير خطئه، فهو لم يمس ما هو ممنوع المساس به ومنه الإمام البخاري، حيث يرى المسلمون أن كتابه "صحيح البخاري" هو أعظم كتاب بعد القرآن الكريم، وأن الإمام البخاري هو أعظم من نقل التراث، وقال عنه الدكتور أحمد عمر هاشم في برنامجه التليفزيوني: "إن الإمام البخاري لم يكتفِ بالأخذ أو النقل عن الراوي أو أن يكون الراوي الذي أخذ عن غيره، فكان لا بد له أن يكون قد التقى بالمختص وحادثه، لذا جاء كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله".
لذا فإن ثقتنا بالإمام البخاري وصحيحه ليس فرضا علينا، بل نابعا من صميم إيماننا وتمسكنا بالسنة النبوية المنقولة والمثبتة والمتفق عليها، رغبة منا في الخلاص من هذه الدنيا على خير والمرور بها مرور الكرام إلى دار الآخرة ... دار الحق؛ إعمالا بحديث ونصيحة الرسول (صلى الله عليه وسلم) "يا أيها الناس؛ إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، كتاب الله، وسنة نبيه".
واستكمالا في الحديث عن الأمثال الشعبية الدارجة في اللغة العامية والتي أثبتت مدى حقيقتها وصدق من تلفظ بها لأول مرة "من جاور السعيد يسعد، ومن جاور الحداد ينكوي بناره" فاليوم نحن ندرك هذا المثل ونعيشه حق المعايشة، فنسير في أيامنا بين كل واجب من عمل ودراسة وجائز من مقابلات الأهل والأصدقاء ونادر من جلسات الضحك وفك الضيق، ولكن الضيق لا ينفك فهناك غصة حزن تسكن أعماقنا ولا نستطيع تجاهلها، فكيف نفرح وإخواننا وجيراننا يموتون حرقا وجوعا وذبحا وسفكا؟! فهم أمام أعيننا وبداخل قلوبنا في كل زمان ومكان، فلا طعام له لذة وهم بلا طعام، ولا فرح له لذة وهم بلا فرح، ولا عيد له لذة وهم بلا عيد، ولا موت له حزن وهم لا يملكون الحق في الحزن، فالحي منهم يعلم أنه ملاقي لأخيه الذي فقده بعد ساعات أو الآن.
وإذا أردنا أن نختتم بمثل آخر وليس بأخير فهو "الصبر مفتاح الفرج" ... الصبر على الكافر والفاجر والقاتل والظالم .... فنهايتهم قريبة مهما بعدت وستكون عبرة لغيرهم وستشفي كل من ذاق الذل والهوان.
"... واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا." صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
التعليقات