مع التطور التكنولوجي المتسارع، سيطر العالم الرقمي على معظم جوانب حياتنا، حتى وصل إلى الشعائر الدينية.
ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك، برز مفهوم "الأضحية الرقمية" كأحد المستجدات التي تثير تساؤلات حول مشروعيتها وعلاقتها بصكوك الأضاحي التقليدية.
فما هي الأضحية الرقمية؟ وما مدى مشروعيتها؟ وما الفرق بينها وبين صكوك الأضاحي؟
الأضحية الرقمية؟
يمكن تعريف الأضحية الرقمية بأنها شراء أضحية عبر منصات إلكترونية، أو تطبيقات إلكترونية؛ حيث يتولى القائمون على هذه المنصات عملية شراء الأضحية وذبحها وتوزيع لحومها على المستحقين نيابة عن المشتري.
وغالبًا ما تتيح هذه المنصات للمستخدم اختيار نوع الأضحية وحجمها، وفي بعض الأحيان متابعة مراحل الذبح والتوزيع عبر تقارير أو فيديوهات.
مشروعية الأضحية الرقمية
وتعتبر الأضحية الرقمية في جوهرها نوعًا من أنواع التوكيل في أداء شعيرة الأضحية، وقد أجازت دار الإفتاء وجمهور العلماء التوكيل في ذبح الأضحية؛ حيث إن الأصل في الشريعة جواز النيابة في الأعمال التي تقبلها؛ وبناءً على ذلك، فإن شراء الأضحية عبر منصة رقمية "موثوقة" والتوكيل للقائمين عليها بذبحها وتوزيعها جائز شرعًا، وذلك بالشروط التالية:
الثقة في المنصة: يجب التأكد من مصداقية المنصة والتزامها بالشروط الشرعية في اختيار الأضحية وذبحها وتوزيعها.
النية عند الشراء: يجب على المضحي أن ينوي الأضحية عند قيامه بالشراء عبر المنصة.
الذبح في الوقت الشرعي: يجب أن يتم الذبح في الوقت المحدد شرعًا للأضحية (من بعد صلاة العيد وحتى غروب شمس آخر أيام التشريق).
تقسيم الأضحية
يستحب تقسيم الأضحية إلى ثلاثة أثلاث: ثلث لصاحب الأضحية، وثلث يوجه للصدقة، وثلث الأخير يقدم كهدية للأقارب والجيران.
استيفاء شروط الأضحية: يجب أن تكون الأضحية المستبدلة مستوفية للشروط الشرعية؛ من حيث النوع والعمر والسلامة من العيوب.
الذبح الشرعي: يجب أن يتم الذبح على يد مسلم بالغ عاقل ووفقًا للطريقة الشرعية.
وتعتبر كل من الأضحية الرقمية وصكوك الأضاحي وسائل معاصرة لتيسير أداء سنة الأضحية، وتعتبران جائزتين شرعًا بالضوابط المذكورة، فالأضحية الرقمية قد تمنح شعورًا أكبر بالملكية والمتابعة الفردية للأضحية، بينما تركز صكوك الأضاحي بشكل أوسع على تحقيق التكافل الاجتماعي، وإيصال الخير لأكبر عدد من المحتاجين بكفاءة عالية، ويعود للمسلم اختيار الآلية التي يراها أنسب له ولتحقيق مقاصد هذه الشعيرة العظيمة، والأهم هو استحضار النية الصادقة والالتزام بالضوابط الشرعية لضمان قبول الأضحية، والامتثال لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الأصل في الأضحية
لا شك أن هذه المبادرات تحمل في طياتها تسهيلًا على بعض المسلمين، خاصة أولئك الذين يواجهون صعوبات في شراء الأضحية أو ذبحها بأنفسهم، إلا أنه من الأهمية بمكان أن نتذكر الأصل في هذه الشعيرة العظيمة، فقد قال الله تعالى لحبيبنا محمد "صلى الله عليه وسلم": (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقد ثبت أن رسولنا الكريم محمد "صلى الله عليه وسلم" ضحى بكبشين أملحين أقرنين، وشارك الصحابة رضوان الله عليهم في هذه السنة المباركة بذبح أضاحيهم بأيديهم أو الإشراف عليها.
حيث إن في ذبح المضحي أضحيته أو حضوره لذبحها فوائد عظيمة؛ ففيها إحياء للشعيرة بجميع جوانبها، من اختيار الأضحية السليمة، والشعور بالاتصال الروحي بهذه العبادة، وتوزيع اللحم على الأهل والفقراء والجيران بنفس راضية، كما أن فيها تعليمًا للأبناء وترسيخًا لهذه السنة النبوية في نفوسهم.
ولذا، فإن الأصل والفضل لمن استطاع إلى ذلك سبيلًا، هو أن يذبح الشخص أضحيته بنفسه أو يشهد ذبحها، ولا ينبغي اللجوء إلى الأضاحي الرقمية أو الصكوك إلا في حالات الضرورة القصوى، كبعد المسافة وعدم القدرة على توكيل ثقة، أو وجود ظروف قاهرة تمنع المسلم من مباشرة هذه السنة بنفسه.
فلنجعل سعينا في هذا العيد المبارك هو الاقتداء بسنة نبينا الكريم قدر استطاعتنا، ولنجعل من الأضحية الحية خيارنا الأول، فهي أقرب إلى روح هذه العبادة وأعظم أجرًا وأكثر بركة.
أما التيسير والبدائل الرقمية، فلنجعلها ملاذًا لمن ضاقت بهم السبل، مع استحضار نية الاقتداء بالسنة قدر المستطاع في كل الأحوال.
وكل عام وأنتم جميعًا بخير، وعيد أضحى مبارك.
التعليقات