قررت السوق السينمائية بمصر، في هذا العيد، الاكتفاء بفيلمين جديدين فقط (المشروع إكس) و(ريستارت)، لأول مرة لا نتابع معركة حامية الوطيس، وكما تعودنا نصبح شهودًا على صراع من يعرض فيلمه في العيد، ومن أجبروه على الانتظار، إنه الموسم الأهم للسينما، يترقب الجميع من يستحوذ على (العيدية)، لم يكن الأمر فقط متعلقًا هذه المرة بالعيدية، لأن الفيلمين عرضا تباعًا قبل العيد، تم توزيع تورتة (الشاشات) بينهما بالتساوى، ليس لدينا سوى فقط ٥٠٠ شاشة في كل ربوع الوطن، وهى مع الأسف قابلة للنقصان بمعدلات كبيرة، وتلك هي المشكلة التي لم يتوقف عندها أحد، رغم أنها تصيب السينما في مقتل، هذا يعنى أن مشروع بناء دار عرض لم يعد يغرى أحدًا بالمغامرة، وعندما نفقد منافذ التوزيع، فهذا يؤكد أننا نعجل بالوصول إلى خط النهاية.
في الماضى القريب، كنا نتابع عادة صراخ عدد من منتجى الأفلام التي لم يقع عليها الاختيار للعرض في العيد، أو حظيت أفلامهم بعدد أقل من الشاشات، إلا أنهم هذه المرة آثروا الصمت، لا حس ولا خبر، ولا حتى صرخة مكتومة، الكل تراضى ووافق على تلك القسمة، كما يبدو أخذوا جميعًا وعودًا بالعرض تباعًا، مقابل الصمت، وبالتالى تلعب دورًا عكسيًا في السماح بكل الأذواق للتعبير عن نفسها، وفى هذا المؤشر يكمن في كل بلاد الدنيا، أكسجين الحياة السينمائية. فيلمان فقط، وأعتقد أنه سيصعد ثالثًا لهما (سيكو سيكو)، الذي عرض العيد الماضى، لأنه يتوافق في بنائه ومذاقه مع جمهور العيد، الفيلم حقق نجاحًا استثنائيًا، في الأشهر الأخيرة، وحل ثانيًا بعد (أولاد رزق) الجزء الثالث، بين الأفلام الأكثر تحقيقًا للإيرادات في السنوات العشر الأخيرة، لأنه من المستحيل أن نصدر حكمًا رقميًا صائبًا على كل تاريخ السينما المصرية، إلا من خلال رؤية اقتصادية تحلل الرقم بالقياس لقيمة الجنيه المصرى، كما أن عدد قاطعى التذكرة مؤشر هام في التقييم الرقمى، لا يكفى فيه رقم شباك التذاكر، (سيكو سيكو) سيدخل غمار المنافسة، وسيضيف لنفسه عددًا آخر من أرقام الشباك.
ظنى أن فيلم (المشروع) سيتأثر بالسلب مع جمهور العيد، لأنه ببساطة ليس فيلم عيد، صحيح أن بيتر ميمى من أكثر مخرجى الدراما (سينما وتليفزيون) قدرة على قراءة رغبات الجمهور، وهكذا ملأ الشريط بمعارك وإبهار، ولم ينس بين الحين والآخر أن يضع نكتة هنا وقفشة هناك، كما أنه لم يكتف بالبطل المحبوب كريم عبدالعزيز كنجم شباك له جمهور يترقبه، أضاف له عددًا من ضيوف الشرف مثل ماجد الكدوانى وكريم محمود عبدالعزيز، ثم أنهى الفيلم بلقطة مع أمير كرارة، وكأنه يؤكد للمتفرج أننا بصدد سباق حواجز لأسماء ضيوف الشرف، وجاءت النهاية أيضًا مع كرارة، فهو الذروة في نفس الوقت لعب دورًا في أن يمنح الجمهور إرهاصه بأن هناك جزءًا ثانيًا للمشروع. بيتر ميمى يقدم لنا كل شىء ممكن أو غير ممكن، في المعارك وأيضًا المناظر، وهكذا تنقل في أكثر من دولة أوروبية ووصل للفاتيكان، واقتحم الكنيسة، وقدم أيضًا مشاهد ومعارك بداخله، تشعرك هذه المشاهد وغيرها بأن لها مرجعيات من أفلام أخرى أجنبية سبقتها، بيتر لا ينكر أبدًا أنه يريد محاكاة السينما العالمية، بتقديم حدوتة عن مصر، تتكئ على أسرار الهرم التي لا تزال تشكل ألغازًا حار العالم في كشف أسرار بنائها، ولم تتورع الدعاية الإسرائيلية في محاولة لنفى أنها مصرية خالصة بعبقريات مصرية سبقت العالم في كشف الكثير من علوم الطبيعة، ولا تزال تقدم كل صباح سرًا يبحث عن إجابة، بينما محاولة طمس الحقيقة لا تزال أيضًا مستمرة. كان ينبغى أن تتوفر في المعادلة البنت الحلوة، وهكذا جاءت ياسمين صبرى، نعم قدمت مشاهد أكشن تم تنفيذها جيدًا، إلا أن الشريط يفتقد حالة الحميمية والخصوصية مع الجمهور، كما أن ياسمين الممثلة لا تزال بحاجة إلى تدريب.
البعض يقول إن لياقة كريم حاليًا لا تؤهله للأكشن، توم كروز يكبر كريم بأكثر من عشر سنوات ولا نزال نصدقه في الأكشن، الأمر قائم على الافتراض، أغلب الأبطال الخارقين أنت لا تتابعهم من خلال تطبيق قواعد منطقية، يحكمنا في التلقى شروط اللعبة، أي أن المخرج يضع أمامنا معادلة هو مسؤول عن بنودها ونصدقه طبقًا لتلك الشروط، بيتر ميمى لم يضعنا منذ البداية أمام هذا الافتراض!!.
(المشروع ×)، يعنى المجهول، الوجه الآخر هو المعلوم، أن يصبح كل شىء معلومًا لنا، المخرج ملأ السيناريو بجرعة معلومات، حتى يضع المتفرج على الخط معه، إلا أن الجرعة زادت على قدرة الجمهور في التلقى وصارت المعلومات في ندفقها، ما يشكل عبئًا عند المتفرج. في هذا الفيلم لو بحثنا عن الفائز أقول لكم إنه واضع الموسيقى التصويرية أمين بو حافة، وأيضًا (الجان) القادم بقوة أحمد غزى، والفنان التلقائى مصطفى غريب، الذي أصبح أحد أهم معالم البهجة في حياتنا، ولكن قطعًا هذا لا يكفى!!.
التعليقات