هل للوهج عمر افتراضى، مثل عود الكبريت يشتعل مرة واحدة، ثم ينطفئ إلى الأبد؟
فى كل المجالات تلمع أسماء فى (الميديا) يمر زمن طال أو قصر، ثم نكتشف أنهم تبددوا حتى من الذاكرة، مطربون ملأوا الدنيا بأغنيات رددها الشارع، عدد منهم تحسّب لغدر الأيام، وأقاموا مشروعات اقتصادية غالبا كافيتريا، تعينهم عندما تدير لهم الحياة ظهرهم، إلا أن الألم النفسى الذى يعيشونه فى كل لحظة يقتلهم كل لحظة.
هؤلاء المطربون عاصروا زمن تألق عمرو دياب وراغب علامة ومحمد منير، وكاظم الساهر وأصالة وأنغام، الذين واصلوا نجاحهم وبقوة من التسعينيات إلى الألفية الثالثة، بينما ذروة عطاء هؤلاء توقف عند عقد التسعينيات، ووجدنا السهم بعدها يهوى مسرعا للسفح.
كثيرا ما أتعاطف مع شكوى الكبار الجالسين على (دكة) الاحتياطى، لم يشاركوا خلال السنوات الأخيرة فى أعمال فنية، هل يتعرضون لإقصاء متعمد، أم أن إيقاعهم بات خارج الزمن؟
لا أتصور أن هناك مؤامرة، وهناك من يقول لهم مثلا (نكتفى بهذا القدر)، بعضهم اكتفى بمقعد الناقد، وأحيانا الناقم، الذى يُطل على الحياة الفنية بقدر لا ينكر من التعالى، ثم نكتشف مع أول تجربة مع الناس، أن بطارية إبداعهم توقفت عن الشحن، نلمح فروقا شاسعة فى التوقيت بينهم والجمهور. ورغم ذلك لدينا نماذج عديدة ظلت لها مساحة، مثلا سميرة سعيد بدأت المشوار، منتصف السبعينيات، أى أننا نتحدث عن نصف قرن، عندما استمع إليها عبد الحليم حافظ فى المملكة المغربية، بعد مشاركتها بالغناء فى عيد ميلاد الملك الراحل الحسن الثانى، نصحها (حليم) بالسفر للقاهرة، ومنذ ذلك التاريخ وهى مستقرة على الخريطة، تبحث عن الكلمة والنغمة العصرية، كثيرا ما سبقت فى الجرأة والمشاغبة جيل أنغام وشيرين ونانسى وهيفاء وروبى، لديكم عمرو دياب يتابع بدقة ما يجرى فى الشارع، حتى ما يكتب على عربات (التوك توك)، ستجد أن جزءا من تلك الكلمات أخذها إلى ملعبه ورددها بأسلوبه، لم يتعال على ألحان (المهرجانات)، أستلهم روحها فى أغانيه، جورج وسوف لا يزال هو الأعلى أجرا بين مطربى الحفلات، رغم معاناته الجسدية، التى دفعته لكى يضع أحيانا ستارة سوداء، أمامه على المسرح قبل الصعود، حتى لا يرى الجمهور معاناته، فقد جورج ابنه البكر وديع، وسكنته الأحزان، ورغم ذلك لا يزال من خلال أغنياته، يضمد جراحه وتهتف له الجماهير أعد (يا أبو وديع).
محمد منير مكانته استثنائية لايشبه أحدا ولا أحد من الممكن أن يتشبه به أو يشبههه، حاملا لقب (الكينج)، أصدر مؤخرا أغنية (ملامحنا) رحلة داخل مشاعرنا، يضيف دائما دائرة جماهيرية وشريحة عمرية جديدة، مستمتعا بنداء عشاقه (بنحبك يا منير).
أتذكر عندما بلغ عبد الحليم حافظ السبعين من عمره عام 1999، سألت الموسيقار الكبير كمال الطويل ماذا لو كان (العندليب) بيننا الآن؟
أجابنى سيظل فى المقدمة، وسيقدم أغنيات تشبه ما يقدمه كاظم الساهر، ولكن بأسلوب حليم، سيطرق باب (الفيديو كليب) ويتعامل مع مفرداته، سألته عن اسم ملحن من جيل التسعينيات سيحرص على التعامل معه؟ أجابنى رياض الهمشرى فهو الأقرب لروح حليم، لأنه يحمل فى أنغامه، نبض اليوم وسحر الأمس.
هؤلاء وغيرهم عاصروا على الأقل ثلاثة أجيال، الجد والأب والحفيد، ولا يزالون فى نفس المكانة، لأنهم فكوا (شفرة) جيل الألفية الثالثة.
من يتوقف عن فك (شفرة) الزمن يقتله الزمن، مهما بلغت إمكانياته الصوتية، سيكتشف أنه خارج (الأجندة)، ولن أذكر أسماء، حتى لا أصبح عليهم، أنا والزمن!!.
التعليقات