تساءلت: ما رد فعل القوى الغربية على اعترافات جنود إسرائيليين بتلقيهم تعليمات مباشرة من قياداتهم لإطلاق النار على الفلسطينيين طالبى المساعدات قرب مركز هو ما يسمى «منظمة غزة الإنسان» حتى لو لم يشكلوا أى تهديد، والتى نشرتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم 26 يونيو الماضي، بعد أن قتل الاحتلال الإسرائيلى 500 فلسطينى أعزل خلال محاولتهم الحصول على المساعدات فى غزة؟.. وكيف يصمت الغرب على جرائم الحرب التى يرتكبها جيش الاحتلال على مدى 20 شهرا؟ ولماذا يمتنع عن إدانة هذه الجرائم التى تنتهك كل القيم التى يدعو إليها والقوانين والمواثيق الدولية التى برع فى صياغتها؟!
رجعت بذاكرتى إلى الوراء، وتذكرت أن الغرب يرتكب على مدى التاريخ جرائم توصف بالعار ضد الشعوب الأخرى ولكن فى هذه الحقبة جديد يستحق الرصد والتأمل. ففى كل مرة يرفع الغرب شعارات كاذبة لتبرير عدوانه، تارة شعارات دينية: ( خلال الحروب الصليبية) والكل يعلم ان السيد المسيح عليه السلام بريء تماما منها بل إنها تناقض تعاليمه (ومنها: الله محبة..وأحبوا أعداءكم) وتارة أخرى يستخدم شعارات مدنية كتعمير البلاد (الاستعمار) وهو فى الحقيقة يقصد تخريب البلدان التى احتلها لنهب مواردها وتحويلها إلى أسواق لمنتجاته، وتارة ثالثة بدعوى حماية حقوق الإنسان وتحقيق الديمقراطية، ورابعة بحجة التخلص من أسلحة الدمار.. تنوعت المبررات والهدف واحد هو السيطرة على مقدرات الشعوب ومنعها من حقها فى التقدم والتنمية وحماية استقلالها الوطني.
كنا نتصور ان التطور الحضارى الذى حققه الغرب والقيم التى يدعو إليها أنهت هذا الجنوح، ولكن الإحداث تؤكد أن كل ذلك كان وهما وأنه يواصل جرائمه إما مباشرة أو بالوكالة بعد ان زرع بمنطقتنا كيانا يكمل مسيرته الاستعمارية او بالأحرى «الاستحمارية» وأن قيم الحرية وحماية حقوق الإنسان التى يتشدق بها مقصورة على الإنسان الغربى فقط!!
أى قراءة سريعة للتاريخ تبين بوضوح ذلك، فجميع أشكال العنصرية هى إنتاج غربى بامتياز، وكل ما ارتكب من جرائم ضد اليهود على مدى التاريخ والتى توجت بالمحرقة هى جرائم غربية حاول الغرب غسل يده منه فيما سمى «المسألة اليهودية» من خلال تصديرها إلى المنطقة العربية منذ وعد بلفور وحتى اليوم، ثم حولها الى قاعدة متقدمة لمشروعه الاستعماري.. وأن محاكم التفتيش، والإبادة الجماعية لسكان البلاد الأصليون (الهنود الحمر) واحتلال بلدان العالم بالقوة. واستخدام القنابل النووية (هيروشيما وناجازاكي) واحتكار أدوات القوة وتحريمها على الآخرين وتدمير كل محاولة لامتلاكها (كما حدث فى لبيبا وسوريا والعراق وايران) وزرع الفتن وتقسم البلاد (سايكس بيكو فى الماضى والشرق الأوسط الجديد المزعوم) وإشعال الحروب العالمية.. كل ذلك تخطيط وإنتاج وتنفيذ غربي..
وفى هذا السياق يمكن فهم اصطفاف الدول الغربية مع العدوان الإسرائيلى على فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وصمتها وتبريرها للإبادة الجماعية التى تمارسها إسرائيل تجاه الفلسطينيين بغزة، والتى اعتبرتها القوى الغربية بلسان واحد انه «دفاع عن النفس» وكأن التاريخ بدأ يوم 7 اكتوبر 2023، وهو الأمر الذى تكرر أيضا فى موقف الغرب من العدوان الإسرائيلى على إيران وإن كان تبريره للموقف الأخير قد أخذ منعطفا أكثر صراحة وبجاحة عندما لخص المستشار الألمانى فريدريتش ميرتس، مواقف الغرب المخزية فى عبارة واحدة، قائلا:»هذه مهمة قذرة تؤديها إسرائيل نيابة عنا جميعاً» مبديا، تأييد بلاده للعدوان الإسرائيلى على إيران وهو النهج الذى اتخذته سائر القوى الغربية الأخري.
وهكذا ظلت كل سلوكيات العار تتم على مدى التاريخ مغلفة بشعارات ولافتات مزيفة ولكن الجديد أن التقدم فى تكنولوجيا الاتصالات جعل ازدواج المعايير لدى القوى الغربية أمرا مفضوحا أمام الجميع اليوم، بخاصة وأن الأقدار شاءت أن تضع الغرب أمام اختبار قوى لسرديته عن قيمه الحضارية، حيث تدعى الدول الغربية أنها المدافع الوحيد عن الحرية والعدالة والمساواة واحترام القانون على الساحة الدولية. ومن هنا كان تزامن العدوان الروسى على أوكرانيا مع العدوان الإسرائيلى على فلسطين وإيران، كاشفا عن مدى كذب هذه السردية، كما مكن أصحاب الضمائر الحية فى الشرق والغرب من أن يقارنوا بين مواقف الغرب من هاتين الحالتين المتشابهتين. أما نتيجة هذه المقارنة فربما تحتاج إلى تفصيل فى مقال آخر!
التعليقات