غدًا السبت الموافق ٢٣ أغسطس هو عيد العذراء مريم كلية الطهارة، البتول، والدة الإله، أم النور الحقيقى، المباركة فى النساء، القديسة الأمينة الشفيعة لجنس البشرية، لا توجد امرأة فى الكون تنبأ عنها الأنبياء واهتمت بها الكتب السماوية مثل مريم العذراء، ما أكثر التمجيدات والتأملات التى وردت عنها، وما أعظم الألقاب التى حصلت عليها، فهى أمنا كلنا وفخر جنسنا المملوءة نعمة، هى فوق مرتبة رؤساء الملائكة، مولدها وحياتها وانتقالها سلسلة من المعجزات وإلى الآن تُجرى عجائب باسمها بلا حصر، فتعالوا معى يا محبى العذراء نتأمل قصتها من البداية.
وُلدت العذراء مريم بمدينة الناصرة حيث كان والداها يقيمان وكان والدها متوجع القلب لأنه عاقر، وكانت القديسة حِنة أمها حزينة جدًا فنذرت لله نذرًا وصَلتْ إليه بحرارة وانسحاق قلب قائلة: «إذا أعطيتنى ثمرة فإنى أقدمها نذرًا لهيكلك المقدس»، فلما جاء ملء الزمان المعين حسب التدبير الإلهى أرسل ملاك الرب وبشر الشيخ يواقيم والدها بمولدها والذى أعلم زوجته حِنة بما رأى وسمع ففرحت وشكرت الله وبعد ذلك حبلت وولدت هذه القديسة وأسمتها مريم، ولما بلغت مريم من العمر ثلاث سنوات مضت بها أمها إلى الهيكل حيث أقامت اثنتى عشرة سنة كانت تقتات خلالها من يد الملائكة.
وإذ كان والداها تنحيا تشاور الكهنة لكى يودعوها عند من يحفظها لأنه لا يجوز لهم أن يبقوها فى الهيكل بعد هذه السن، فقرروا أن تُخطب رسميًا لشخص يحل له أن يرعاها ويهتم بشؤونها، فجمعوا من سبط يهوذا اثنى عشر رجلًا أتقياء ليودعوها عند أحدهم وأخذوا عصبيتهم وأدخلوها إلى الهيكل، فأتت حمامة ووقفت على عصا يوسف النجار فعلموا أن هذا الأمر من الرب لأن يوسف كان صِديقًا بارًا فتسلمها وظلت عنده إلى أن أتى إليها الملاك جبرائيل وبشرها بميلاد المسيح منها، وكانت هذه المعجزة الثالثة بعد معجزة مولدها ومعجزة اختيار يوسف النجار لها، وبعد أن أنجبت المسيح وهى عذراء لم يسمها أحد، كان الله معها، يظهر ملاكه لها حتى تهرب هى ومولودها ويوسف من بطش الملك هيرودس إلى مصر وتقيم هناك لتكون العائلة المقدسة كلها فى مأمن بعيدًا عن الصراعات، وتعود مرة أخرى إلى أورشاليم حين تهدأ الأوضاع، وطوال حياة السيد المسيح على الأرض وهى ثلاث وثلاثون سنة كانت مثالا للأم الرحيمة الحنون الوديعة البارة المقتدرة المليئة اتضاعا وتسليما وإيمانا وثقة ورجاء فيما كتبه الله لها، وبعد صعود السيد المسيح إلى السماء، كانت ملازمة الصلاة فى القبر المقدس ومنتظرة ذلك الوقت السعيد الذى فيه تُحل من رباطات الجسد.
وقد أعلمها الروح القدس بواسطة الملائكة بانتقالها سريعًا من العالم الزائل، ولما دنا الوقت حضر تلاميذ السيد المسيح وعذارى جبل الزيتون وكانت السيدة العذراء مضطجعة على سريرها، وإذا بالسيد المسيح قد حضر إليها وحوله ألوف من الملائكة فعزاها وأعلمها بسعادتها الدائمة الذاهبة إليها فَسرت بذلك ومددت يدها وباركت التلاميذ والعذارى ثم أسلمت روحها الطاهرة بيد ابنها فأصعدها إلى المساكن العلوية، أما الجسد الطاهر فكفنوه وحملوه إلى الجسمانية، وفيما هم ذاهبون اعترضهم بعض اليهود ليمنعوا دفنه وأمسك أحدهم بالتابوت فانفصلت يداه عن جسمه وبقيتا معلقتين حتى آمن وندم على سوء فعله وبتوسلات التلاميذ القديسين عادت يداه إلى جسمة كما كانتا. ولم يكن توما الرسول وهو أحد التلاميذ حاضرًا وقت نياحتها لكنه رأى رؤية فى مكانه بالهند أن جسدها الطاهر مع الملائكة صاعدين به، وقال له أحدهم «أسرع وَقبل جسد الطاهرة مريم» فأسرع بالفعل وقَبَّله وعند حضوره بعد وقت طويل إلى التلاميذ أعلموه بنياحتها وانتقالها كما هى، فقال لهم «أنا لا أصدق حتى أعاين جسدها» فمضوا معه إلى القبر وكشفوا عن الجسد فلم يجدوه فدهش الكل وتعجبوا، فعرفهم توما أن الله أراه الجسد الطاهر وهو صاعد إلى السماء مع الملائكة لأن الرب لم يشأن أن يبقى جسدها فى الأرض وهذه معجزة أخرى تضاف إلى سلسلة معجزات السيدة العذراء.
هذه باختصار شديد قصة مولدها وحياتها وانتقال جسدها إلى السماء، فقد عاشت على الأرض ستين سنة، جازت منها اثنتى عشرة سنة فى الهيكل وثلاثين سنة فى بيت القديس يوسف البار وأربعة عشر سنة عند القديس يوحنا الإنجيلى حسب وصية الرب. وأول كنيسة فى التاريخ سُميت باسمها كانت فى مدينة فيلبى وقد باركت السيدة العذراء أرض مصر ثلاث مرات، الأولى حيث هربت إليها مع رضيعها واستمرت هناك لمدة ثلاث سنوات وستة أشهر، كما تجلت فى مناظر روحانية نورانية داخل قباب الكنيسة المدشنة على اسمها فى منطقة الزيتون من ضواحى مدينة القاهرة وذلك فى يوم ٢ إبريل سنة ١٩٦٨، واستمر تجليها لعدة ليال متتالية، وأيضًا فى دير العذراء ببورسعيد هناك أيقونة لصورتها ينزل منها زيت مقدس من شهر فبراير حتى شهر أكتوبر لمدة ٩ شهور فى السنة الواحدة ويتبارك به الجميع، السلام لك يا مريم يا ذات البتولية، يا رجاء المسيحية، بركة عيدك وصلواتك وشفاعتك تفرح قلوبنا جميعًا.
التعليقات