قبل ثلاثة عقود، لم يكن مصطلح "الميتافيرس" معروفًا خارج أوساط روايات الخيال العلمي. اليوم، لم يعد هناك مؤتمر تقني أو نقاش إعلامي إلا ويتطرق إلى هذا المفهوم، الذي يتوقع أن يغير وجه الحياة كما نعرفها.
البداية تعود إلى عام 1992 حين ابتكر الكاتب الأميركي نيل ستيفنسون المصطلح في روايته Snow Crash. ثم جاءت محطة أخرى عام 2003 مع إطلاق منصة Second Life، التي أتاحت للمستخدمين خوض حياة افتراضية بديلة. ومنذ ذلك الحين، توالت التطورات: ظهور تقنية البلوك تشين والعملات الرقمية عام 2009، استحواذ "فيسبوك" على شركة "Oculus" للواقع الافتراضي عام 2014، وصولًا إلى إعلان مارك زوكربيرغ في 2021 تغيير اسم شركته إلى "Meta"، في خطوة وصفت بأنها "إعلان ميلاد رسمي لعصر الميتافيرس".
من الترفيه إلى الإعلام
لم يعد الميتافيرس محصورًا في الألعاب الإلكترونية. فقد تحولت منصات مثل Fortnite وRoblox إلى ساحات كبرى للتفاعل الاجتماعي، حتى أنها استضافت حفلات موسيقية شارك فيها ملايين المتابعين افتراضيًا. غير أن الأهم هو دخول الإعلام على هذا الخط.
شبكة "سي إن إن" الأميركية كانت سبّاقة بإطلاق تطبيق (CNNVR) الذي يتيح تقارير مصورة بتقنية الواقع الافتراضي، بينما اختارت وكالة "رويترز" أن تكون أول من يدشن غرفة أخبار افتراضية، حيث يمكن للصحفيين والمتابعين مشاهدة الأحداث عبر خرائط ثلاثية الأبعاد، والتنقل داخلها بحرية.
وفي العالم العربي، ظهرت مبادرات مشابهة؛ صحيفة الوطن المصرية دشنت أول استديو افتراضي ثلاثي الأبعاد عام 2017، كما بث برنامج 8 الصبح على قناة "دي إم سي" تقارير عن السياحة الافتراضية، في تجربة رائدة لإدماج هذه التقنيات في الإعلام المحلي.
إعادة تعريف الصحافة
يرى خبراء أن دخول الميتافيرس سيجبر الصحافة على إعادة تعريف نفسها. فبدلًا من الاقتصار على التغطية الإخبارية عبر النص والصورة والفيديو، سيكون الجمهور قادرًا على "العيش داخل الخبر". على سبيل المثال، بدلاً من قراءة تقرير عن حرائق الغابات، يمكن للمستخدم ارتداء نظارة الواقع الافتراضي والدخول إلى محاكاة تفاعلية تُظهر حجم الكارثة وتأثيرها.
الميتافيرس سيغير طبيعة التلقي. لن يكون الجمهور قارئًا أو مشاهدًا، بل مشاركًا وصانعًا للتجربة الإعلامية.
التحديات القادمة
لكن الطريق ليس معبدًا بالكامل. فهناك تحديات تقنية مثل الحاجة إلى سرعات إنترنت هائلة (7G) وما بعدها، وتحديات قانونية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، وأخرى مهنية تتعلق بكيفية الحفاظ على دقة الأخبار في بيئة شديدة التفاعلية.
ويشير محللون إلى أن الصحافة في الميتافيرس قد تواجه أيضًا مخاطر "الأخبار الكاذبة" بشكل مضاعف، حيث يمكن إنشاء عوالم افتراضية تحاكي الواقع بدقة عالية، مما يجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والتزييف.
إلى أين؟
بين الحماس والمخاوف، يمضي العالم نحو حقبة جديدة من الإعلام. فالميتافيرس يَعِد بجعل الجمهور يعيش القصة كما لو كان داخلها، لكنه في الوقت ذاته يفرض على الصحافة تحديات مهنية وأخلاقية غير مسبوقة.
وبينما يرى البعض أنه "أداة تكميلية"، يعتبر آخرون أن "الصحافة نفسها ستولد من جديد داخل الميتافيرس"، كما وُلدت يومًا ما على الورق، ثم عبر موجات الراديو والتلفزيون، ثم عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
أستاذ مشارك جامعة ليوا
التعليقات