حسين السيد من أعظم وأعمق وأبهج شعراء الأغنية، وأضف إليه ما شئت من أفعال التفضيل، فهو جدير بها كلها، يجمع فى شعره بين الغزارة والتميز، وفى نفس الوقت لديه مفردات خاصة لا تشبه سوى حسين السيد.
كثيرا ما كنت ألتقيه فى مبنى التليفزيون العربى _ هكذا كنا نطلق عليه فى الماضى _ رأيته، يتعاقد على كتابة أغنيات استعراضية، فهو مثلا الذى كتب فى بداية البث التليفزيونى فوازير ثلاثى أضواء المسرح (جورج وسمير والضيف) التى أخرجها محمد سالم، كنت أستمتع دائما بالسير بجواره عائدا لمكتبه الذى صار أيضا بيته فى وسط المدينة، وحكى لى الكثير منها حكاية أغنية (ساكن قصادى).
عندما قرر أن يقدم قالب (البارودى) ولكن بطريقة عكسية، عدد كبير من أغانينا تعاد صياغتها بطريقة ساخرة، حتى الوطنى منها، هل تتذكرون أغنية عبد الحليم (بلدى يا بلدى) كتبها مرسى جميل عزيز ولحنها كمال الطويل، عام ١٩٦٤عندما فوجئ فريق عمل المسلسل الإذاعى (شنبو فى المصيدة) بطولة فؤاد المهندس وشويكار ويوسف وهبى عام ١٩٦٨ بأن هلال رمضان قد ثبتت رؤيته، لم يجد مخرج المسلسل يوسف عثمان متسعا من الوقت لتقديم (التتر)، استدعى الشاعر فتحى قورة والموسيقار كمال لطويل، لإنجازه على وجه السرعة، تأخر الطويل قليلا فوجدهم فى الاستوديو، يغنون على نفس موسيقى لحنه الوطنى (شنبو يا شنبو / والله ووقعت يا شنبو) ووقتها لم تعترض الصحافة ولا الرأى العام، ولم يعتبر أحدٌ الكلمات تحمل إهانة لأغنية فى الأساس تتحدث عن الوطن، وقتها كانت لدينا رحابة فى تقبل تلك المداعبات.
ولدينا الكثير منها مثل (ياوردة الحب الصافى) لمحمد عبد الوهاب التى أحالها إسماعيل ياسين إلى (يا حلة العدس الدافى)، ولم تسلم حتى القصائد من (البارودى) مثل (لا تكذبى) التى غناها شكوكو قائلا (لا تكذبى انى رأيتكما معا / كنت باحسبك ملوخية / لكن طلعتى مسقعة) وغيرها، ولكن ما فعله حسين السيد انه قال (بيدى لا بيد عمرو).
فى مطلع الستينيات كتب حسين السيد ولحن محمد الموجى أغنية خفيفة الظل (مين قالك تسكن فى حارتنا) تم تصويرها فى (كليب) قبل تداول هذا التوصيف بثلاثة عقود من الزمان، والتى يقول فيها شاعرنا الكبير (ييجى ابويا يقول فنجان قهوة/ اعمله شاى وأسقيه لأمى) صورة ساخرة للتعبير عن الحب، الأغنية فى بنائها الدرامى تقدم رسالة لكل ابنة جيران ألا تستجيب ببساطة لغزل ابن الجيران ولكنها تطلب منه أولا أن يتقدم رسميا لأسرتها.
عندما استمعت نجاة للأغنية بصوت شادية أعجبتها فكرة التسلسل الدرامى، وطلبت من حسين السيد واحدة أخرى، وجد شاعرنا الكبير أن يكتب أيضا عن ابن الجيران، ولكن بزاوية اقرب للميلودراما، فهى أيضا تحب ابن الجيران ولكن المأساة أنها ستشهد عرسه، ستصحو على صوت فرح جاء من الشباك، تكتشف أنه ابن الجيران.
عندما تطل بعينيها من الشباك تشاهد فرحه وتتوجه إلى الحفل، وتشرب الشربات ثم تغادر المكان وسط ضجيج الشارع وتعيش على ذكرياتها، حب خجول من طرف واحد.
عبقرية حسين السيد، أنه التقط الفكرة كما أرادتها نجاة إلا أنه أحالها إلى بناء له بداية ووسط ونهاية، وذروة وشجن نبيل.
قطعا أبدع الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب فى تلحين (ساكن قصادى)، ولكن دائما، وفى البدء كانت كالعادة الكلمة، مع أحد أهم أساتذة الكلمة الغنائية فى سجلنا العربى!!
التعليقات