قبل عامٍ من الآن، جاءني طفل صغير من أبناء هذه الأرض، يحمل في صدره قلبًا منهكاً، لكنه كان يحمل أيضًا عيونًا مليئة بالحياة. اسمه محمد أحمد، في الثامنة من عمره، وفي قلبه قصة تستحق أن تُروى.
عندما التقينا أول مرة، كانت حالته تتطلب تدخلاً جراحيًا دقيقًا ومعقدًا. لم يكن القرار سهلاً – لا من الناحية الطبية ولا من الناحية الإنسانية. لكن إيماننا بمبدأ أن الطب رسالة قبل أن يكون مهنة، هو ما جعلنا نُقدم على هذه الخطوة.
في يونيو من العام الماضي، أجرينا له العملية الأولى ضمن برنامج إنساني أطلقته هيئة الصحة بدبي ومؤسسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الإنسانية منذ عام 2008، والذي يوفر عمليات قلب مجانية للأطفال الذين لا تستطيع أسرهم تحمل التكاليف الباهظة. ولقد كانت عملية محمد من بين ثلاثين عملية أُجريت آنذاك.
اليوم، عاد محمد إلى المستشفى، لا كمريض، بل كقصة إنسانية تمشي على الأرض. جاءني يبتسم، يحدثني عن دراسته، ولعبه، والكريكيت الذي أصبح شغفه الجديد. وكم كانت لحظة مؤثرة حين وقف أمامي ليقول: “أنا بخير. ألعب وأدرس. شكراً يا دكتور”.
لكن الحقيقة التي يجب أن أقولها بصدق: محمد هو من منحنا الحياة. هو من ذكّرنا لماذا اخترنا هذا الطريق. رسالته كانت تذكيرًا عميقًا بأن الطب ليس فقط أدوات وتقارير، بل هو أيضًا أمل وحب ومواصلة للسعي.
لا تزال رحلة محمد الطبية لم تنتهِ. قلبه يحتاج إلى خطوات أخرى، ومزيد من الرعاية. لكن هذه اللحظة – هذه البسمة – كانت انتصارًا لنا جميعًا، لكل من آمن بأن الإنسانية لا تُقاس بالمال بل بالفعل.
وهنا لا يمكنني إلا أن أُشيد بالدور الإنساني الاستثنائي لدولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الرشيدة، التي جعلت من الرعاية الصحية والتكافل الاجتماعي أولوية وطنية. فمنذ تأسيسها، اختارت الإمارات أن تكون وطناً يحتضن الإنسان قبل أي شيء، وأن تمد يدها لكل محتاج، دون تفرقة أو تمييز. مبادرات جسدت فعلاً لا قولاً كيف يمكن أن يكون الطب جسرًا للرحمة، وكيف يمكن للسياسات أن تُترجم إلى حياة أفضل لآلاف الأسر.
إلى كل طبيب، وممرض، ومسؤول، أقول: تذكروا دومًا أن وراء كل حالة مرضية وجهًا، وصوتًا، وحياةً تستحق. وإلى محمد، أقول: نحن فخورون بك، ونعدك أن نكون معك حتى النبضة الأخيرة.
وفي النهاية…
ليست هذه القصة عن محمد وحده، ولا عن عملية جراحية ناجحة فحسب، بل عن نموذج إنساني متكامل يُثبت أن العالم لا يزال بخير ما دام هناك من يمد يده لينقذ، ومن يفتح قلبه ليحتوي، ومن يؤمن أن لكل طفل فرصة للحياة. في كل غرفة عمليات، وفي كل يد طبيب ترتجف حباً لا خوفاً، وفي كل مؤسسة تُؤمن أن الإنسان هو الثروة الأغلى… تبدأ معركة النور ضد العجز، والأمل ضد الألم. هذه ليست معركة طبية فقط، بل معركة حضارية تخوضها الإمارات وقيادتها، وأمثال محمد هم جنودها الصغار الذين يستحقون أن ينتصروا… في كل نبضة، وفي كل غدٍ مشرق.
التعليقات