بعد إهداء طويل احتل صفحة كاملة، إلى الأم والأب والزوجة والأبناء والتلاميذ والظالمين وكل من ملأ حياة الشاعر، تجئ قصائد ديوان "العشق المهزوم" للشاعر محمد عرفة، لتجسد بالفعل تلك الهزيمة العاطفية "بسبب مقدار الفطنة في العقلين".
ولعل قصيدة "منى" تعد من أكثر قصائد الديوان التسع عشرة تجسيدا لتلك الهزيمة، فهي تأتي في صورة سردية أو حدوتة أو قصة شعرية بين الشاعر وحبيبته الصغيرة أو تلميذته منى، ولكنها تأتي بضمير الغائب، وتعتمد على الصورة الشعرية الريفية والسيناريو الشعري مثل قوله:
قفزتْ
كفراشة نوَّار البرسيم الطفلةُ
ولعل فارق السن والطول بين بطلي القصيدة هو السبب في تلك الهزيمة:
قصَّر من طول القامة
وكذلك من خطوته
وتخلّى
عن سنوات العمر
بياضِ الشعر
وصارتْ مشيته تتعرّج
هكذا يخبرنا السرد الشعري عن تلك العلاقة العاطفية غير المتكافئة بين تلميذة وأستاذها الذي تلاشت فيه طفولته. إنه عالم الطفولة والبراءة والسذاجة يقابلها عالم النضج والشيب والرزانة.
القصيدة سهلة ميسورة متماسكة، تغوص في العالم الجواني للشخصية رغم اعتمادها على الرصد الخارجي مثل قول الشاعر:
يقتات ببعضٍ من آيات الذكر
ويودع أهل البيت
بيديه احتضن القلمين:
(الأزرق والأحمر)
وللألوان دلالتها المؤكدة لوظيفة المدرس أو المعلم، فالأزرق للكتابة العادية، والأحمر لتصحيح الكراريس المدرسية، ومنح الدرجات. ومن هنا تأتي وظيفة اللون في القصيدة، ونضيف الى الأزرق والأحمر، اللون الأبيض الدال على بياض الشعر وكبر السن، وأيضا بياض الطبشورة، وسواد السبورة.
هكذا تؤدي الألوان دورا شعريا دالا في تلك القصيدة التي أعتبرها من أهم قصائد ديوان "العشق المهزوم" للشاعر محمد عرفه.
أما قصيدة "الدوائر" فقد حاول الشاعر اللعب بتلك الكلمة، ككلمة مركزية تدور حولها القصيدة، وهي قصيدة اعتمدت على الرصد والتسجيل من خلال دوران التفعيلة "فعولن"، ولكنها أقرب إلى العقلانية، وتنطلق من وعي الشاعر بما حوله من أشياء سواء كانت في الطبيعة أو في الحياة اليومية، تتخذ الصفة الدائرية مثل مدارات النجوم، وعيون الينابيع، وبدور الليالي، وكوب الشاي ولفافة التبع، وعيون البساتين، والسواقي ورغيف الخبز .. الخ، كما أنه يوظِّف أو يتناصّ مع مقولة "على الباغي تدور الدوائر".
ونلاحظ أيضا تكرار بياض الشعر في تلك القصيدة كما رأيناه في قصيدة "منى"، ولكنه هنا في سياق مختلف تماما. حيث يرصد الشاعر رحلة عمره الدائرية مذ كان طفلا إلى أن تسيَّد لون البياض بشعره.
وفي قصيدة "عزيزة في طي النسيان" - وأعتقد أن عنوانها غير شعري بالمرة، مثلها مثل عنوان قصيدة "طريق اليقين إلى السماء" - يعتمد الشاعر على بنية سردية تذكرنا بقصة "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي، حيث تُصاب بطلة القصيدة عزيزة برمد العينين، وتنتظر العلاج من يونس الذي يمر بيده البيضاء على كل عزيزة.
ويتماهى يونس المنتظر بالنبي يونس الذي خرج من بطن الحوت ليبحث عن فجر لملايين عزيزة.
وعلى الرغم من وضوح البنية الموسيقية لتلك القصيدة التي جاءت من تفعيلة الخبب (فعِلن فعْلن) إلا اننا لاحظنا كسرًا في تلك البنية في قوله:
في إحدى مدارسنا المنسية
تحمل في يدها كتابا
وايضا في قوله:
من جسدِ عزيزةَ المستور
أيضا اعتمدت قصيدة "طريق اليقين إلى السماء" على بنية سردية يقدمها الشاعر في إطار تفعيلة بحر الكامل "مُتَفَاعِلن"، بينما اعتمدت قصيدة "الرحى والعظام" على البنية المشهدية والصورة التشكيلية الريفية في إطار تفعيلة الخبب (فعلن فعلن) وأيضا لاحظنا وجود بنية حوارية في تلك القصيدة، وهي البنية التي افتقدناها في قصيدة "منى" رغم وجود السيناريو بها، ولعل انعدام الحوار في قصيدة "مُنى" هو الذي قاد إلى الهزيمة أو الى "العشق المهزوم".
لقد شكلت القصائد المنتمية إلى تفعيلة الخبب (فعلن فعلن) ما يقرب من نصف قصائد الديوان، وعلى وجه التحديد ثماني قصائد، بينما تنوعت القصائد الأخرى بين تفعيلات المتقارب (فعولن) والهزج (مفاعيلن) والكامل (مُتَفَاعِلن) والرجز (مستفعلن) والرمل (فاعلاتن). ولم تسلم بعض هذه القصائد من كسور في الأوزان أشرنا إلى بعضها.
ورغم أن الأخطاء اللغوية لا تكاد تذكر في الديوان، إلا أن الكتاب حفل بالأخطاء المطبعية، التي كانت في حاجة إلى تصحيح جيد قبل خروج هذا العمل إلى النور، وهذه آفة نجدها دائما لدى معظم المطبوعات الجديدة.
التعليقات