عندما أحسَّ أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 – 1932) بأهمية أزجال بيرم التونسي وتأثيرها على جموع الشعب المصري، أكد أنه يخشى على العربية من بيرم التونسي (1893 – 1961)، ورأى أن قدرته الهائلة على التعبير بالعامية عن كل مواقف الحياة في مرونة ساحرة قد دفعت الناس إلى ترديد أزجاله، وقد تدفع بعض شباب الشعراء إلى الاقتداء به، ونحن في حاجة إلى الحفاظ على اللغة العربية.
لكن شوقي نفسه كتب بعد ذلك بالعامية أغاني لمحمد عبدالوهاب، وعندما سمع بيرم أغنية "النيل نجاشي" كتب زجلا شهيرا قال في مطلعه:
يا أمير الشعرا غيرك ** في الزجل أصبح أميرك
ما يدل على عدم اقتناع كامل من بيرم بأزجال شوقي أو أغنياته التي كتبها بالعامية المصرية. غير أن شوقي يعرف قدر بيرم في الزجل والعامية وأغانيه باللعة الدارجة، فيكرر: "إني أخاف على اللغة العربية من عامية بيرم البليغة".
ويوضح الشاعر الغنائي الدبلوماسي أحمد عبدالمجيد (1905 – 1981) في كتابه "أحمد شوقي الشاعر الإنسان"، أن بيرم خاف من هذا الفارس الذي لا يُجارى، وخشى من أن يسود على ناظمي هذا اللون، فقال يخاطبه بقوله:
يا أمير الشعر غيرك ** في الزجل يبقى أميرك
إن عبدالمجيد كتب لعبدالوهاب (1902 – 1991): خايف أقول الله في قلبي، وحسدوني وباين في عنيهم، ومريت على بيت الحبايب، وبالك مع مين، وغيرها من الأغنيات المشهورة، ومن هنا فإن حديثه عن كلا الطرفين: شوقي وبيرم، يجب أن يؤخذ في الاعتبار.
غير أن هذه الغيرة وهذا التنافس بين الشاعرين الكبيرين الأميرين: أمير الشعراء، وأمير الزجل، لم يخلقا مواقف عدائية بينهما، وعلى الرغم من أن التاريخ الأدبي لم يذكر لنا أن شوقي التقى بيرم في يوم من الأيام، فإن بيرم الذي كان خارج مصر عندما رحل شوقي في 14 أكتوبر 1932 كتب عن بُعد قصيدة رثاء زجلية قال فيها:
مكتوب لي في الغيب مصيبة ** والغيب عن العلم خافي
تطول حياتي الكئيبة ** وأرثي أمير القوافي
يا شوقي ساعة رهيبة ** لما المنايا توافي
عزيز على الشرق بات له ** الشرق صارخ ولاطم
وقفت أرثيك بصوتي ** والصوت على البُعد خافت
موتك ويا ريته موتي ** أنطق لسان كل ساكت
ومين ما يسمع خفوتي ** في ميتمك لما ناحت
النواحين في البوادي ** والمنشدين في العواصم
شعوب محمد وعيسى ** لهم مذاهب مذاهب
جامع يخالف كنيسة ** وشيخ على عكس راهب
قروا صحايف نفيسة ** لك فيها وحي المواهب
الكل صلوا عليها ** القبعات والعمايم
تسأل باريس عن غيابك ** وإنت اللي عارف جوابها
دي مكتبك في شبابك ** وملعبك في شبابها
وصفتها في كتابك ** يوم كنت تخشى خرابها
لو كان تقدر جميلك ** تنصب عليك المياتم
من جاك وزارك في دارك ** وقال يا دار ابن هاني
يقول لقبرك مبارك ** اقبل يا قبر التهاني
يا قبر طال افتخارك ** على القبور والمباني
فيك الأمير اللي ساهر ** فيك الأمير اللي نايم
ويكشف هذا الزجل أن بيرم كان يتابع مؤلفات أحمد شوقي ويقرأ له، ويعرف الكثير عن حياته ومسيرته.
التعليقات