يختلف الناس في تعريف النجاح كما يختلفون في طبائعهم.
فمنهم من يراه في المنصب، ومنهم من يراه في المال، وآخرون يرونه في الاستقرار الأسري أو في نيل الإعجاب العام.
لكن الحقيقة الأعمق التي يغفلها كثيرون، أن النجاح ليس في أعين الآخرين، بل في يقينك الداخلي بأنك حقّقت ما سعيت إليه بصدق.
فالقيمة لا تُقاس بما يراه الناس، بل بما تحققه أنت لنفسك، حين يكون سعيك نابعًا من رؤيتك لا من تصفيق الجماهير.
النجاح، في جوهره، حالة وعي لا رتبة اجتماعية.
هو لحظة صافية تدرك فيها أن الطريق الذي اخترته كان طريقك أنت، لا نسخة مكررة من طموحات غيرك.
قد يكون نجاحك في ترقية، وقد يكون في تربية صالحة، أو في سلامٍ داخلي وسط عالمٍ مضطرب.
فكل إنسان يملك مقياسه الخاص، ومَن يقيس نفسه بمقاييس الآخرين، سيظل يلهث خلف ظلّ لا يُمسَك.
الناس لا ترحم؛ ينتقدون الصاعد لأنه تقدّم، ويحكمون على المتأخر لأنه لم يركض بالسرعة الكافية.
لا الناجح سالم، ولا الفاشل غانم.
فالعين التي لا ترى إلا المقارنة لا تعرف الرضا، والقلب المعلّق بحكم الناس لا يعرف الطمأنينة.
إنّ من يهاجم نجاح غيره في الغالب لا يرى فيه خصمًا، بل مرآةً تعكس عجزه عن التحقّق.
أما الناجح الحقيقي، فلا وقت لديه للجدال أو المقارنة.
هو مشغول ببناء ذاته لا بهدم غيره.
يسعى في طريقه بصمت، لأن يقينه يُغنيه عن البرهان، ورضاه يغنيه عن التصفيق.
لا يُشغله من سبق أو من تأخر، لأنه يدرك أن السباق الحقيقي ليس بين الناس، بل بين الإنسان ونفسه.
النجاح في حقيقته ليس أن تصل أولاً، بل أن تصل وأنت ما زلت نفسك.
أن تحافظ على نقائك، وأن تتقدّم دون أن تفقد ضوءك.
أن تنتصر على ضعفك لا على غيرك، وأن تظل قادرًا على النظر في المرآة دون أن تحتاج إلى تصفيق أحد.
التعليقات