ليس كل من يعيش حرًّا، حُرًّا حقًّا.
فكم من إنسانٍ يتحرّك بخطواتٍ واثقة، يبتسم في وجه الحياة، لكنه في أعماقه أسيرٌ لجدرانٍ لا تُرى. جدران الخوف، والتردد، والتبرير المستمر لعجزه باسم “الظروف” أو “التوقيت غير المناسب”.
الحرية الحقيقية لا تُقاس بما تملكه من مساحة، بل بما تملكه من شجاعة.
فالشجاعة هي الروح التي تُعيد للحياة معناها، وهي الجسر الذي يفصل بين “من يعرف الطريق” و”من يسير فيه”.
الذكاء وحده لا يصنع تغييرًا، والموهبة وحدها لا تبني مجدًا، لأن كليهما يظلان بلا قيمة إن لم يُرافقهما فعل.
إن الخوف ليس عدوًّا خارجيًا، بل كائن يعيش فينا، يُغيّر ملامحه كل مرة.
تارةً يظهر في صورة صوتٍ منطقي يقول: “انتظر قليلًا، ليس الآن.”
وتارةً يتخفّى في هيئة حذرٍ زائف أو واقعيةٍ مغلّفة بالحكمة.
لكن الحقيقة الثابتة هي أن الخوف لا يمنع السقوط، بل يمنع التحليق.
المؤلم أن بعض الناس يعيشون عمرهم كله خلف هذه الجدران الخفية، يُقنعون أنفسهم أن تأجيل الحلم نوع من النضج، وأن الصمت عن الموهبة نوع من التواضع، حتى يذبلوا ببطء دون أن يشعروا.
يموتون وفي داخلهم موسيقى لم تُعزف بعد.
الشجاعة ليست غياب الخوف، بل هي اتخاذ القرار رغم وجوده.
هي لحظة تقول فيها لنفسك: “ربما أفشل، لكنني لن أظل هنا.”
وحين تخطو الخطوة الأولى، تكتشف أن الجدران التي كنت تراها حولك… لم تكن سوى ظلٍّ رسمه خوفك.
لقد خُلق الإنسان ليجرب، لا ليؤجل.
ليخطئ ويتعلّم، لا ليُبرر صمته.
ليعيش بكل ما فيه من قوةٍ وضعفٍ، لا ليختبئ خلف أسوار الأمان الزائف.
فالذكاء يرشدك إلى الباب، لكن الشجاعة وحدها تملك المفتاح.
والحياة لا تُكافئ الأذكى، بل الأجرأ.
انهض، واكسر الجدار الذي لا يراه أحد سواك.
لأن الجحيم ليس في الخارج، بل فيك حين تختار ألا تحيا.
التعليقات