السينما أو الفن السابع كما أطلق عليها الناقد الإيطالي "ريتشيوتو كانودو"، حيث حملت في طياتها الفنون الست السابقة للسينما (العمارة، الموسيقى، الرسم، النحت، الشعر، الرقص)، لتقدمها من ممتزجة جميعًا في صور واحدة من خلال شاشات دور العرض السينمائي.
وجاءت بداية السينما في مصر بالتزامن مع الظهور العالمي لها عام 1859، وبعد هذا التاريخ، قدم أول عرض سينمائي بمصر في مقهى (زواني) بمدينة الإسكندرية يناير 1896، وتبعه أول عرض سينمائي بمدينة القاهرة 28 يناير 1896في سينما (سانتي)، والعرض السينمائي الثالث كان بمدينة بورسعيد عام 1898.
والبداية الأشهر كانت عام 1927، حين تم إنتاج وعرض أول فيلمين شهيرين هما "قبلة في الصحراء"، والفيلم الثاني هو "ليلى"، والذي قامت ببطولته عزيزة أمير، وهي أول سيدة مصرية اشتغلت بالسينما، والفيلمان ينتميان للسينما الصامتة.
وبالرغم من تواجد السينما في الشرق الأوسط، إلا أنها الأشهر والأكثر غزارة من حيث الإنتاج، والأكثر تقنية وتميز فني عن غيرها من صناعة السينما في العالم العربي.
وفي عام 1931 واجهت السينما المصرية المصاعب لكي تنتج باكورة أفلامها الناطقة "أولاد الذوات"، "أنشودة الفؤاد"، و"الوردة البيضاء".
وحين انشأ محمد كريم "استوديو مصر"، كان هو المحور الذي درات في فلكه السينما المصرية حتى نشوب الحرب العالمية الثانية.
وبعد الحرب تضاعف إنتاج السينما، ووصل من 16 فيلما إلى 67 فيلما من عام 1944 الى 1946 وبعدها بسنوات وصل عدد دور العرض في مصر إلى 414 وعدد الاستوديوهات إلى خمس وهم "مصر، الأهرام، النحاس، جلال، ناصيبيان" ولمع في هذه المرحلة عدد من المخرجين أمثال "صلاح أبوسيف وعز الدين ذو الفقار وبركات وايضًا العديد من النجوم أمثال فريد شوقي محمود المليجي صلاح ذو الفقار وفاتن حمامه وغيرهم.
وفى عام 1950 انتج فيلم "بابا عريس" وكان أول فيلم مصري بالألوان، بعدها اتت مرحلة ثورة 1952 وكانت السينما المصرية في أوج ازدهارها على يد القطاع الخاص واستغلت الثورة السينما لتعزيز موقفها، فكان إنتاج "رد قلبي"، "الله معنا".
وفي فترة الستينيات أممت صناعة السينما حيث انشأت المؤسسة العامة للسينما لإنتاج الأفلام الروائية الطويلة التي تتبع القطاع العام في مصر مما أدى إلى انخفاض إنتاج عدد الأفلام من 60 إلى 40 فيلم وانخفض ايضًا دور العرض من 354 إلى 255 دورًا انقسمت الأفلام المصرية.
وانقسمت أفلام هذه الفترة إلى 3 أنواع، أولها أفلام تناقش موضوع الفقر وإعلاء قيمة العمل والإشادة بالمجتمع الاشتراكي مثل فيلم "اللص والكلاب" وأفلام أخرى أدانت النماذج الانتهازية والأمراض الاجتماعية كالرشوة والفساد وجرائم السرقة مثل فيلم "ميرامار"، وأفلام عالجت موضوع الديموقراطية ومشاركة الشعب السياسة والارتباط بالأرض مثل فيلم "جفت الامطار".
ومن أهم الإبداعات السينمائية في هذه الفترة "العصفور"، و"الأرض"، "شيء من الخوف"، والتي استطاعت التعبير عن المجتمع المصري بشكل كبير، وكان المسؤلين عن مؤسسه السينما وقتها من المبدعين، أمثال "نجيب محفوظ ويوسف السباعي، ورغم كونهم مبدعين فلم يصادروا على حقوق غيرهم من المبدعين، وكان هناك ايضًا أفلام كثيرة غير تجارية ولكنهم وافقوا عليها في إطار دعم الدولة للسينما في مرحلة الستينيات.
وبعد حرب أكتوبر 1973، انتشرت الأفلام الوطنية، وكان منها "الرصاصة لا تزال في جيبي"، و"العمر لحظة"، "وحتى اخر العمر"، وبعد الانفتاح الاقتصادي الذي فرضه السادات في السبعينيات، توجهت السينما بشكل واضح للأفلام التجارية، وخاصة في بدايات الثمنينيات.
وخلال الثمانينيات ظهرت مجموعة جديدة من المخرجين الشباب الذين استطاعوا أن يتغلبوا على التقاليد الإنتاجية السائدة، وأن يصنعوا سينما جادة وأطلق عليهم تيار الواقعية الجديدة أو جيل الثمانينيات، من هذا الجيل المخرج عاطف الطيب، و رأفت الميهي، وخيري بشارة ومحمد خان وغيرهم، ومن أبرز نجوم تلك الفترة "عادل إمام، أحمد زكي، محمود عبدالعزيز، نور الشريف، نادية الجندي، نبيلة عبيد، يسرا، ليلى علوي، إلهام شاهين، وسهير رمزي".
وارتفع عدد الأفلام المعروضة بشكل مفاجئ إلى 63 فيلمًا، فيما يشكل بداية موجة أفلام المقاولات؛ وهي عبارة عن أفلام كانت تُعَدّ بميزانيات ضئيلة ومستوى فني رديء لتعبة شرائط فيديو وتصديرها إلى دول الخليج، حيث بلغ عدد الأفلام في عام 1986 نحو 95 فيلمًا، ويمثل هذا الرقم ذروة الخط البياني لتزايد سينما المقاولات.
واتسمت بداية التسعينات بتراجع الإنتاج نتيجة لحرب الخليج قصور الدعم و التوزيع من منتجي الخليج والعرب في السابق، لتظهر مجموعة أخرى من المخرجين حاولوا التأثير في السينما، وإعادتها لمجدها، وكان منهم أسامة فوزي، رضوان الكاشف، وسعيد حامد.
وفي النصف الثاني من التسعينات ظهرت موجة من الأفلام الكوميدية، والتي لاقت انتشارًا جماهيريًا واسعًا حينها، وكانت بدايتها "إسماعيلية رايح جاي"، "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، "همام في أمستردام".
ومع بداية القرن الجديد لمعت نجوم جديدة في عالم الفن ومن أشهرهم محمد هنيدي، هاني رمزي، منى زكي، منة شلبي، حنان ترك، أحمد السقا، مي عز الدين، أحمد حلمي، وداليا البحيري.
وكان الإنتاج السينمائي في مصر يقتصر بشكل شبه تام على القطاع الخاص وبعض مؤسسات الإنتاج العالمية " كيورو ميد بروداكشن "، إلا أن وزارة الثقافة أعلنت في 2007، عن بدء تمويلها لبعض الأفلام ذات " القيمة المتميزة".
وفي 2006، و2007 كان الإنتاج السنوي للسينما 40 فيلمًا، بينما نمى الإنتاج في 2008 ليصل إلى 53 فيلمًا.
استمرت السينما المصرية بإنتاج الأفلام الكوميدية والسياسية مع نفس النجوم، ومن هنا اعتبرت السينما المصرية من اغزر دول الشرق الأوسط في مجال الإنتاج السينمائي على مدى 100 عام قدمت فيه السينما المصرية أكثر من 4000 فيلم.
وبدأت منذ 2010 ظهور الأفلام الشعبية واشتهر بها خاصة الممثل محمد رمضان، والتي ناقشت حالة الفقر والطبقة السفلية من المجتمع ومشاكلهم ويواجه قضايا كالمخدرات والدعارة، وكان لهذا النوع من الأفلام العديد الآثار السلبية على الشباب المصري نتيجة لاحتوائها الألفاظ البذيئة ومشاهد الراقصات والمشاهد المخلة للآداب، كما هوجمت بشدة من عدة أطراف في المجتمع ومن النقاد، والتي دافع عنها منتجوها حيث وصفوها بأنها تقدم الواقع الذي يعيشه المواطن، لكن الحقيقة أن على الفن أن يحاكي الواقع، ليطرح الحلول بطريقة غير مباشرة، وليس نقلها كما هي بمساوئها.
ورغم ذلك فأن السينما المصرية مازالت محافظة على مستواها عربيًا من خلال نخبة من الكتاب والمخرجين وأصحاب الفكر الفني اللذين يواصلون عطائهم بإنتاج أفلام على سوية عالية من الاحتراف والتنفيذ، تجعلها تخرج من المنافسة المحلية لتدخل السوق العالمية وتنافس بأبطالها ونجومها، أفلام ونجوم هوليوود.
ومما أكد على جودة الفن السابع عربيًا بالرغم من الصعاب والعثرات المستمرة التي يواجهها العالم العربي اجتماعيًا وسياسيًا، خاصة ما سُمي "بالربيع العربي" والذي أثر على قطاع الإنتاج السينمائي كثيرًا ماديًا وفكريًا، وغير مفاهيم عديدة في السينما المصرية والعربية.
التعليقات