تسببت جائحة كورونا في إغلاق العديد من الأنشطة الاقتصادية، كما وضعت هذه الأزمة أكثر من نصف سكان العالم في إقامة جبرية بمنازلهم، ونتج عن لك حدوث تغييرين بسوق العمل؛ الأول إجبار الملايين على ترك وظائفهم.
والثاني ترسيخ أسلوب جديد وهو العمل من داخل المنازل، والذي بدأت بعض الشركات التعامل معه ليس بشكل مؤقت وإنما باعتباره خيارا مستمرا إلى ما بعد انتهاء ازمة "كوفيد19"، بحسب ما أعلنته كبريات الشركات العالمية مثل فيسبوك وهكذا ستشهد المرحلة القادم تغير الشعار المرفوع منذ تفشى الجائحة، من "خليك في البيت" إلى "إعمل من المنزل"!
بلغة الأرقام، يخسر العالم بسبب هذه الجائحة ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، من بينها 5 ملايين في الدول العربية، بحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية، وترى المنظمة أن إجراءات الإغلاق الاقتصادي الهادفة لمحاصرة كورونا، تمثل تهديدًا لمصير 1.6 مليار عامل بالاقتصاد غير الرسمي حول العالم؛ اي نحو نصف القوى العاملة العالمية (3 مليارات نسمة)، فعلى سبيل المثال فقد نحو 34 مليون مواطن أمريكي وظائفهم بسبب أزمة كورونا، خلال الفترة الأخيرة، وفي مصر تشير بعض البيانات إلى تزايد معدل البطالة، كما ارتفعت نسبة العمال غير المنتظمين الذين فقدوا وظائفهم، فضلًا عن عودة الآلاف من دول الخليج وأوروبا، لكن حتى الآن لا توجد إحصائية صادر من جهات حكومية حول تأثير الأزمة على معدل البطالة.
في مقابل ذلك يتزايد الاتجاه عالميا إلى "العمل من المنزل" فقد ذكر الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" مارك زوكربيرج، إن بعض الموظفين سيكون لديهم خيار العمل من المنزل بشكل دائم، في خطوة تسلط الضوء على تأثير فيروس كورونا على أنماط العمل لدى أكبر شركات التكنولوجيا بالعالم.
وفي مسح أجرته شبكة التواصل المهني "لينكد إن"، حول إمكانية العمل مستقبلا من المنزل بعد انتهاء جائحة كورونا، أشارت النتائج إلى إمكانية حدوث الأمر في عدد كبير من الوظائف عبر قطاعات مختلفة.
ففي قطاع البرمجة وهندسة المعلومات يعتقد 85% أن نتائج عملهم من البيت كانت "جيدة على نحو كبير" فيما يرى 82% أن الصناعة برمتها يمكنها أن تواصل العمل عن بعد في وقت يمكنها به الاستمرار في تحقيق النتائج المرجوة وما يصاحبه من خفض للنفقات غير الضرورية.
وفي قطاع التمويل، يرى 83% أنهم أبلوا بلاءً حسنا خلال القيام بوظائفهم في المنزل.
واذا كانت "تويتر" أول شركة بالعالم تعطي لموظفيها الضوء الأخضر للعمل من منازلهم إلى الأبد بعد انتهاء الجائحة، فإن عددا لا بأس به من شركات التكنولوجيا حول العالم مثل "مايكروسوفت" و"آبل" اتجهت إلى تفعيل خيار العمل من المنزل لضمان استمرار أعمالهم في زمن كورونا.
ووفقا لاستطلاع نفذته قناة "سي إن بي سي" الإخبارية الأمريكية، تبين أن "العمل من المنزل" قد يكون هو "الوضع الطبيعي الجديد" لكثيرٍ من الموظفين ومديري الشركات والبنوك الكبار حول العالم.
كما أن شركات كبرى مثل "مونديليز" و"نيشن-وايد" وبنوكًا كبرى مثل "مورغان ستانلي" و"باركليز"، باتت تفكر جديًّا بانتقال دائم للعمل من المنزل، بما يقابله ذلك من تقليص للنفقات.
أين نحن من كل ذلك ؟ وكيف تنظر قطاعات القوى العاملة في مصر إلى مستقبل العمل بعد كورونا ؟ وهل أعدت أي مؤسسة بحثية في مصر دراسة حول تجربة العمل من المنزل والقطاعات التي قد تكون الأصلح لهذا النوع من العمل؟
ربما يكون التدريس بالمدارس والجامعات أكثر القطاعات التي جربت العمل من المنزل بمصر، ومع ذلك لم نسمع عن دراسة للرصد العلمي لهذه التجربة.
أتمنى أن تجرى مراكز البحوث المعنية بمصر بالتعاون مع الجامعات دراسات حول هذا الشكل الجديد من العمل من حيث ايجابياته وسلبياته ومدى موائمته مع تركيبة القوى العاملة المصرية، ونوعية المنافع والمضار التي قد تنتج عنه، فإن كان للعمل عن بعد مزايا، كونه يقلص تكاليف الشركات، وبالتالي يضمن لها المزيد من الأرباح، ويُساعد على تقليص استهلاك الطاقة، وما يرتبط بذلك من إيجابيات على البيئة؛ إلا أنّ الاستفادة من هذه المزايا لا بد أن تُدار بشكل متوازن، وبما يضمن تعظيم الفائدة وتقليل الأضرار، بهدف الحد من تفاقم أزمة البطالة، بخاصة وأن الانخراط في ذلك التوجه بشكل غير محسوب سيدفع إلى تقليص الكثير من أحجام الأعمال بالعديد من الشركات، كما أن آثاره تمتد إلى قطاعات عديدة قد تؤثر سلبا على فئات إجتماعية عريضة.علينا التعاطي مع الظواهر الجديدة بالدراسة العلمية وليس بأسلوب إطفاء الحرائق!
التعليقات