تعلمنا في الصغر أن "الاتحاد قوة، والفُرقة ضعف"، فمن منا لا يذكر قصة كتاب اللغة العربية في المرحلة الابتدائية، عن ذلك العجوز الذي جمع أولاده وهو في فراش الموت، وطلب من كل واحد منهم أن يمسك بغصن ويكسره.. فكان من السهل عليهم كسره؛ وبعد ذلك.. طلب منهم جمع مجموعة من الأغصان وربطها معًا، ومن ثم.. طلب من كل منهم كسر تلك الحزمة، فتعسر عليهم جميعا كسرها وهم فرادى، ولكنهم مجتمعين تمكنوا من كسرها.
ظلت تلك القصة في ذهني حتى اطلعت على تجربة حياتية / عملية شبيهة، تحمل في طياتها معاني كثيرة؛ حيث أجرت قائدة أحد الفرق بإحدى المؤسسات تجربة مع فريقها المكون من 35 شابًا وشابة، يتمتعون جميعًا بالحماس والذكاء والشغف لتنفيذ ما يُطلب منهم.
فقد لاحظت قائدة الفريق أنهم لا يتشاركون المعلومات والحلول مع بعضهم بعضًا، كما أن كل عضو كان يعمل لتحقيق ذاته وأهدافه الشخصية فقط، وليس ذات وأهداف الفريق.
فكرت القائدة في وسيلة تعلمهم أهمية العمل كفريق متجانس ومتوافق ومشارك في كل شيء، فنظمت حفلة ترفيهية في الكافتيريا الملحقة بالمؤسسة، ودعت أعضاء الفريق جميعا للحضور.
لاحظ الشباب عند دخولهم أنه تم تكديس جميع الطاولات والكراسي بعيدًا، فأصبح المكان أكثر اتساعًا، كما وُضعت زينة مبهجة ومئات من البالونات مختلفة الألوان حول المكان، وفي منتصف الغرفة، كان هناك صندوق به عدد من البالونات لم يتم نفخها بعد، فتحمس الجميع للوضع، لكنهم كانوا غير مستوعبين لما يحدث.
جمعتهم القائدة وأخبرتهم أنها ستقيم مسابقة بينهم، وفي الجولة الأولى، يأخذ كل فرد منهم بالونة من الصندوق وينفخها بحذر؛ لأنها قد تنفجر.. وبعدها يكتب اسمه عليها. وبالفعل.. بدءوا في تنفيذ ما طُلب منهم، لكن بعضهم انفجرت البالونة الخاصة به.. فمنحته فرصة أخرى.
نجح 30 عضوًا فقط في تحقيق الهدف؛ فأخبرتهم أنه تأهلوا للجولة الثانية، وطلبت منهم ترك البالونات والخروج من الغرفة.
بعد خمس دقائق؛ استدعتهم، وطلبت من كل فرد منهم العثور على البالونة المكتوب عليها اسمه، وتم تحذيرهم "فرقعة" أي بالونة أخرى، وإلا يتم استبعادهم من المسابقة. بحذر شديد بدأ العمل واستمر البحث قرابة الخمس عشرة دقيقة، ولم يعثر أي منهم على شيء.
أعلنت القائدة انتهاء الجولة الثانية، وتأهلهم جميعًا للجولة الثالثة والأخيرة.
هذه المرة، طلب منهم القائدة العثور على أي بالونة مكتوب عليه "اسم"، وإعطاؤها لصاحب الاسم. فبدأ البحث، ولم يستغرق الأمر سوى بضع دقائق، حتى كان كل عضو في الفريق معه البالونة الخاصة به، وبذلك تحقق الهدف المطلوب.
إن إدراك مفهوم "العمل الجماعي" لا يأتي بالكلمات والشعارات المحفزة، بل ينبع من أفعال الإنسان التي تصدر نتيجة التعليم والتعلم والقدرة على اكتساب مهارات مختلفة، والتحسين المستمر للذات ومعتقداتها. فـ "الحب ونبذ الكراهية"، "التفاهم والتسامح"، و"وحدة الهدف والفريق"، هى مُركبات مختلفة تساعد في كفاءة العمل الاجتماعي للارتقاء بالذات البشرية، وبالتالي بالمجتمع ككل.
ما جعل تلك التجربة فريدة، هو بساطتها في إلقاء الضوء على العوامل التي تساعد على النجاح للفرد والفريق، كما هو الحال في أي لعبة جماعية. فلعبة "كرة اليد"، تعد مثالًا واضحًا على تجربة البالونات.. حيث يعمل الفريق ككتلة واحدة ويساعد كل لاعب الآخر من خلال خطة موضوعة بدقة، تصعب على الفريق المنافس اختراق الدفاعات أو الهجوم بسبب التجانس والتماسك، أما إذا حدث العكس، فالنتائج تصبح كارثية.
وأخيرًا.. دعونا نقف أمام الكلمات الأخيرة لقائدة ملحمة البالونات حين قالت لفريقها: "نحن أكثر كفاءة، عندما نكون على استعداد للمشاركة مع بعضنا البعض. ونحن نستطيع حل المشكلات بطريقة أفضل عندما نعمل معًا، وليس بشكل فردي".
التعليقات