كان بيننا وأصبح ذكرى تخطر على البال بين حين وآخر .... لطالما فكر كل إنسان بالحياة والموت .... هل هما متضادان كما درسنا في النصوص من قبل؟ .... أم هما نظيران في حياة كل منا .....
يولد الطفل كالأرض الجرداء .... يتم استصلاحها رويدا رويدا إلى أن تكون صالحة للزراعة فيبدأ الأبوان في زراعة ما يحبان وما يكرهان ... فالكره يورث مثلما الحب يورث ....
يتعرف الولد على كل شيء بالتدريج المشي، الأكل، التعليم وأهميته، الرب والدين ووجوب السير على تعاليمه وأوامره والبعد عن نواهيه .... إلى أن يصل الأمر إلى أصعب تعلم .... أول حادثة وفاة لشخص يعرفه الولد .... ينظر ويتمحص ويفكر .... هل انتهى حقا ؟؟ ألن يشاهده أحد بعد هذه اللحظة ؟؟ وهل ستستمر الحياة بصورتها الطبيعية مع أهله وذويه كيفما كانت قبل وفاته ؟؟ وهل يعد هذا جحودا لأنهم نسوه بعد دفنه بثلاثة أيام وانشغلوا بدراستهم وأعمالهم ...؟؟
يبدأ الولد في خلق سلسلة من الأسئلة التي بلا إجابة بعد إدراكه لأكبر حقيقة في الدنيا وهي الموت ....
لماذا أتينا إلى هذه الدنيا طالما سيأتي اليوم الذي سنذهب فيه؟؟ وهل هذا اليوم بقريب أم ببعيد؟؟ هل سأعيش إلى أن أكمل دراستي ثم أموت ويضيع كل هذا المجهود؟؟ هل أستمتع بوقتي وحياتي وأترك حياة الجد والاجتهاد لأنني سأموت لا محالة؟؟ ....
لماذا إذا أري الكبار مازالوا يجدون ويدرسون ويعملون ويكتنزون الأموال ...؟؟ ألم يدركوا بعد حقيقة الموت؟؟
تصبح الحياة قصيرة صغيرة في أنظارهم وكأنهم لن يتمكنوا من ارتداء الملابس الجديدة المركونة من أجل العيد المقبل ....
لن تتوقف التساؤلات مادامت الحياة .... ولن يقوم أي أحد بإعطاء إجابة .... ليس لعدم وجود مفكر أو فيلسوف حقيقي ليجاوب على تلك الأسئلة بل لعدم وجود شخص شجاع لدرجة أن يتحمل ما سيوجه إليه عندما يتحدث بثقة وثبات .... ويؤكد أنه توصل إلى السبب الحقيقي وراء خلقنا على هذه الأرض لنحيا عدة سنوات غير معلومة ثم نموت ونعود من حيث أتينا بطريقة لا نعلمها ولن نعلمها ....
لكل إنسان رسالة على هذه الأرض ينتهي وجوده بانتهائها .... ودراستك وعملك واكتنازك للمال لك ولأولادك في المستقبل لن يضيع هدرا .... فكل صغيرة وكبيرة تفعلها تُكتب حسنة أو سيئة .... فإذا درست وعملت وكرست حياتك لذلك بنية خالصة لله؛ ستؤجر على ذلك في الدنيا إذا طال عمرك، وفي الآخرة إذا قصر ... أو طال فعلى كل حال ستسأل عن شبابك فيما أفنيته .... وفي الحالتين أنت الكسبان .... وأعتقد أن هذا كاف لاطمئنان قلبك واستكمال سيرك في طريقك الصحيح بدون تشتت أو ضياع.
الموت هو أبشع ما في الدنيا وأرحم ما فيها .... الشيء الوحيد الذي تتضارب إلى أن تتساوي مشاعرك تجاهه بين الحب والكره .... إذا بعد عنك أصبح حقا وإذا اقترب منك أصبح شرا وإذا جاء إليك أصبح رحمة ....
فافتح أذنيك وقلبك إلى الدنيا .... تنفس هواء اليوم ولو كان باردا .... اندفع وراء كل ما تهوى ولا تغلق بابك قبل ميعاد غلقه .... استمتع بالدنيا ما دمت فيها .... كن في قلب الدنيا وفي تفاصيلها وصعابها وجمالها .... احبب نفسك حتى تحب من حولك وما حولك ....
ومازال في الحياة بقية لأجل غير مسمي .....
التعليقات